responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 365
غُرَفًا، إِمَّا عَلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ، أَيْ فِي غُرَفٍ، ثُمَّ اتَّسَعَ فَحُذِفَ، وَإِمَّا عَلَى تَضْمِينِ الْفِعْلِ مَعْنَى التَّبْوِئَةِ، فَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ، أَوْ شِبْهِ الظَّرْفِ الْمَكَانِيِّ الْمُخْتَصِّ بِالْمُبْهَمِ يُوَصِّلُ إِلَيْهِ الْفِعْلُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ: غُرُفًا، بِضَمِّ الرَّاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ: فَنَعْمَ، بِالْفَاءِ وَالْجُمْهُورُ: بِغَيْرِ فَاءٍ. الَّذِينَ صَبَرُوا: أَيْ عَلَى مُفَارَقَةِ أَوْطَانِهِمْ وَالْهِجْرَةِ وَجَمِيعِ الْمَشَاقِّ، مِنِ امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ الْمَنَاهِي. وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ: هَذَانِ جِمَاعُ الْخَيْرِ كُلِّهِ، الصَّبْرُ وَتَفْوِيضُ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَمَّا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ أَسْلَمَ بِمَكَّةَ بِالْهِجْرَةِ، خَافُوا الْفَقْرَ فَقَالُوا: غُرْبَةٌ فِي بِلَادٍ لَا دَارَ لَنَا، وَلَا فِيهِ عَقَارٌ، وَلَا مَنْ يُطْعِمُ. فَمَثَّلَ لَهُمْ بِأَكْثَرِ الدَّوَابِّ الَّتِي تَتَقَوَّتُ وَلَا تَدَّخِرُ، وَلَا تَرَوَّى فِي رِزْقِهَا، وَلَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا، مِنَ الْحَمْلِ: أَيْ لَا تَنْقُلُ، وَلَا تَنْظُرُ فِي ادِّخَارٍ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَعَلِيُّ بْنُ الْأَقْمَرِ. وَالِادِّخَارُ جَاءَ
فِي حَدِيثِ: «كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنْ حُثَالَةِ النَّاسِ يُخَبِّئُونَ رِزْقَ سَنَةٍ لِضَعْفِ الْيَقِينِ؟»
قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَمَالَةِ الَّتِي لَا تَتَكَفَّلُ لِنَفْسِهَا وَلَا تَرَوَّى. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا: لَا تَدَّخِرُ، إِنَّمَا تُصْبِحُ فَيَرْزُقُهَا اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَدَّخِرُ إِلَّا الْآدَمِيُّ وَالنَّمْلُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْعَقُ، وَقِيلَ: الْبُلْبُلُ يَحْتَكِرُ فِي حِضْنَيْهِ، وَيُقَالُ: لِلْعَقْعَقِ مَخَابِئُ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْسَاهَا. وَانْتِفَاءُ حَمْلِهَا لِرِزْقِهَا، إِمَّا لِضَعْفِهَا وَعَجْزِهَا عَنْ ذَلِكَ، وَإِمَّا لِكَوْنِهَا خُلِقَتْ لَا عَقْلَ لَهَا، فَيُفَكِّرُ فِيمَا يُخَبِّؤُهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ:
أَيْ يَرْزُقُهَا عَلَى ضَعْفِهَا. وَإِيَّاكُمْ: أَيْ عَلَى قُدْرَتِكُمْ عَلَى الِاكْتِسَابِ، وَعَلَى التَّحَيُّلِ فِي تَحْصِيلِ الْمَعِيشَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَرَازِقُكُمْ هُوَ اللَّهُ، وَهُوَ السَّمِيعُ لِقَوْلِكُمْ: نَخْشَى الْفَقْرَ، الْعَلِيمُ بِمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ ضَمَائِرُكُمْ.
ثُمَّ أَعْقَبَ تَعَالَى ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِمْ بِأَنَّ مُبْدِعَ الْعَالَمِ وَمُسَخِّرَ النَّيِّرَيْنِ هُوَ اللَّهُ. وَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِبَسْطِ الرِّزْقِ وَضِيقِهِ، فَقَالَ: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ أَنْ يَبْسُطَهُ، وَيَقْدِرُ لِمَنْ يَشَاءُ أَنْ يَقْدِرَهُ. وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ ظَاهِرُهُ الْعَوْدُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْوَاحِدُ يُبْسَطُ لَهُ فِي وَقْتٍ، وَيُقْدَرُ فِي وَقْتٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ، وَالْمُرَادُ لِمَنْ يَشَاءُ آخَرَ، فَصَارَ نَظِيرَ: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ، وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ [1] : أَيْ مِنْ عُمُرِ مُعَمَّرٍ آخَرَ. وَقَوْلُهُمْ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ: أَيْ وَنِصْفُ دِرْهَمٍ آخَرَ، فَيَكُونُ الْمَبْسُوطُ لَهُ الرِّزْقُ غَيْرَ الْمُضَيَّقِ عَلَيْهِ الرِّزْقُ. وَقَرَأَ عَلْقَمَةُ الْحِمْصِيُّ: وَيُقَدِّرُ: بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَشَدِّ الدَّالِ، عَلِيمٌ: يَعْلَمُ مَا يُصْلِحُ الْعِبَادَ وَمَا يُفْسِدُهُمْ.

[1] سورة فاطر: 35/ 11.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 365
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست