responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 342
الطَّاعَاتِ، فَثَمَرَةُ جِهَادِهِ، وَهُوَ الثَّوَابُ الْمُعَدُّ لَهُ، إِنَّمَا هُوَ لَهُ، لَا لِلَّهِ، والله تعالى عني عَنْهُ وَعَنِ الْعَالَمِينَ، وَإِنَّمَا كَلَّفَهُمْ مَا كَلَّفَهُمْ إِحْسَانًا إِلَيْهِمْ. لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ: يشمل مَنْ كَانَ كَافِرًا فَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، فَأَسْقَطَ عَنْهُ عِقَابَ مَا كَانَ قَبْلَ الْإِيمَانِ مِنْ كُفْرٍ وَمَعْصِيَةٍ، وَمَنْ نَشَأَ مُؤْمِنًا عَامِلًا لِلصَّالِحَاتِ وَأَسَاءَ فِي بَعْضِ أَعْمَالِهِ، فَكَفَّرَ عَنْهُ ذَلِكَ، وَكَانَتْ سَيِّئَاتُهُ مَغْمُورَةً بِحَسَنَاتِهِ. وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي: أَيْ أَحْسَنَ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فِيهِ حَذْفٌ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: ثَوَابُ أَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ. انْتَهَى. وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَا يَسُوغُ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ ثَوَابَ أَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ، وَأَمَّا ثَوَابُ حَسَنِهَا فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَهُمْ يُجْزَوْنَ ثَوَابَ الْأَحْسَنِ وَالْحَسَنِ، إِلَّا إِنْ أُخْرِجَتْ أَحْسَنَ عَنْ بَابِهَا مِنَ التَّفْضِيلِ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى حَسَنَ، فَإِنَّهُ يَسُوغُ ذَلِكَ. وَأَمَّا التَّقْدِيرُ الَّذِي قَبْلَهُ فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ مَجْزِيٌّ أَحْسَنَ جَزَاءِ الْعَمَلِ، فَعَمَلُهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْحَسَنَةُ بِمِثْلِهَا، فَجُوزِيَ أَحْسَنَ جَزَائِهَا، وَهِيَ أَنْ جُعِلَتْ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ تَحْرِيكٌ وهزا لمن تخلف عن الجهرة أَنْ يُبَادِرَ إِلَى اسْتِدْرَاكِ مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْهَا، وَثَنَاءٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ بَادَرُوا إِلَى الْهِجْرَةِ، وَتَنْوِيهٌ بِقَدْرِهِمْ.
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ، فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، آلَتْ أُمُّهُ أَنْ لا يَطْعَمَ وَلَا يَشْرَبَ حَتَّى تَمُوتَ، أَوْ يَكْفُرَ. وَقِيلَ: فِي عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَسْلَمَ وَهَاجَرَ مَعَ عُمَرَ، وَكَانَتْ أُمُّهُ شَدِيدَةَ الْحُبِّ لَهُ، وَحَلَفَتْ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَتَحَيَّلَ عَلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ وَأَخُوهُ الْحَارِثُ، فَشَدَّاهُ وَثَاقًا حِينَ خَرَجَ مَعَهُمَا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى أُمِّهِ قَصْدًا لِيَرَاهَا، وَجَلَدَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَرَدَّاهُ إِلَى أُمِّهِ فَقَالَتْ: لَا يَزَالُ فِي عَذَابٍ حَتَّى يَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ ذُكِرَ فِي السِّيَرِ. وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ: أَيْ أَمَرْنَاهُ بِتَعَهُّدِهِمَا وَمُرَاعَاتِهِمَا. وَانْتَصَبَ حُسْناً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وُصِفَ بِهِ مَصْدَرُ وَصَّيْنَا، أَيْ إِيصَاءً حُسْنًا، أَيْ ذَا حُسْنٍ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ، أَيْ هُوَ فِي ذَاتِهِ حسن. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ، وَفِي ذَلِكَ تَحْرِيضٌ عَلَى كَوْنِهِ عَامًّا لِمَعَانٍ. كَمَا تَقُولُ:
وَصَّيْتُكَ خَيْرًا، وَأَوْصَيْتُكَ شَرًّا وَعَبَّرَ بِذَلِكَ عَنْ جُمْلَةِ مَا قُلْتُ لَهُ، وَيَحْسُنُ ذَلِكَ دُونَ حَرْفِ الْجَرِّ، كَوْنَ حَرْفُ الْجَرِّ فِي قَوْلِهِ: بِوالِدَيْهِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِالْحُسْنِ فِي قَوْلِهِ مَعَ وَالِدِهِ، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
عَجِبْتُ مِنْ دَهْمَاءَ إِذْ تَشْكُونَا ... وَمِنْ أَبِي دَهْمَاءَ إِذْ يُوصِينَا
انْتَهَى. مِثْلُهُ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ يُوصِي ابْنَتَهُ بَرَّةَ:
وَصَّيْتُ مِنْ بَرَّةَ قَلْبًا حُرَّا ... بِالْكَلْبِ خَيْرًا وَالْحَمَاةِ شَرَّا

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 342
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست