responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 316
شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الرِّزْقُ لَيْسَ مَصْدَرًا، بَلْ بِمَعْنَى الْمَرْزُوقِ، جَازِ انْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ مِنْ ثَمَرَاتٍ، وَيَحْسُنُ ذلك تخصيصا بالإضافة. وأَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ: أَيْ جَهَلَةٌ، بِأَنَّ ذَلِكَ الرِّزْقَ هُوَ مِنْ عِنْدِنَا.
وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ، وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ، وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ، أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ.
هَذَا تَخْوِيفٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ مِنْ سُوءِ عَاقِبَةِ قَوْمٍ كَانُوا فِي مِثْلِ حَالِهِمْ مِنْ إِنْعَامِ اللَّهِ عليم بِالرُّقُودِ فِي ظِلَالِ الْأَمْنِ وخفض العيش، فعظموا النِّعْمَةَ، وَقَابَلُوهَا بِالْأَشَرِ وَالْبَطَرِ، فَدَمَّرَهُمُ اللَّهُ وَخَرَّبَ دِيَارَهُمْ. ومَعِيشَتَها مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ أَوْ مُشَبَّهٌ بِالْمَفْعُولِ، عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِهِمْ أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى تَضْمِينِ بَطِرَتْ مَعْنَى فِعْلٍ مُتَعَدٍّ، أَيْ خَسِرَتْ مَعِيشَتَهَا، عَلَى مَذْهَبِ أَكْثَرِ الْبَصْرِيِّينَ أَوْ عَلَى إِسْقَاطِ فِي، أَي فِي مَعِيشَتِهَا، عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ أَوْ عَلَى الظَّرْفِ، عَلَى تَقْدِيرِ أَيَّامَ مَعِيشَتِهَا، كَقَوْلِكَ: جِئْتُ خَفُوقَ النَّجْمِ، عَلَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ. فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ: أَشَارَ إِلَيْهَا، أَيْ تَرَوْنَهَا خَرَابًا، تَمُرُّونَ عَلَيْهَا كَحِجْرِ ثَمُودَ، هَلَكُوا وَفَنَوْا، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمَسَاكِنِ. وتُسْكَنْ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْمَسَاكِنِ، أَيْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهَا سُكِنَ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: لَمْ تُسْكَنْ: أَيْ إِلَّا سُكْنَى قَلِيلًا، أَيْ لَمْ يَسْكُنْهَا إِلَّا الْمُسَافِرُ وَمَارُّ الطَّرِيقِ. وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ: أَيْ لِتِلْكَ الْمَسَاكِنِ وَغَيْرِهَا، كَقَوْلِهِ: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ [1] ، خَلَتْ مِنْ سَاكِنِيهَا فَخَرِبَتْ.
تَتَخَلَّفُ الْآثَارُ عَنْ أَصْحَابِهَا ... حِينًا وَيُدْرِكُهَا الْفَنَاءُ فَتَتْبَعُ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقُرَى عَامَّةٌ فِي الْقُرَى الَّتِي هَلَكَتْ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُهْلِكُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ. حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّ تِلْكَ الْقُرَى، أَيْ كَبِيرَتِهَا، الَّتِي تَرْجِعُ تِلْكَ الْقُرَى إِلَيْهَا، وَمِنْهَا يَمْتَارُونَ، وَفِيهَا عَظِيمُهُمُ الْحَاكِمُ عَلَى تِلْكَ الْقُرَى. حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا، لِإِلْزَامِ الْحُجَّةِ وَقَطْعِ الْمَعْذِرَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقُرَى: الْقُرَى الَّتِي فِي عَصْرِ الرَّسُولِ، فَيَكُونُ أم

[1] سورة مريم: 19/ 40.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 316
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست