responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 299
وَانْتَزَعَ بِتِلْكَ الدَّلْوِ، وَزَاحَمَهُمْ حَتَّى غَلَبَهُمْ عَلَى الْمَاءِ وَبِالْأَمَانَةِ: لِأَنَّهَا
حِينَ قَامَ يَتْبَعُهَا، هَبَّتِ الرِّيحُ فَلَفَّتْ ثِيَابَهَا فَوَصَفَتْهَا، فَقَالَ: ارْجِعِي خَلْفِي وَدُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ.
وَقَوْلُهَا كَلَامٌ حَكِيمٌ جَامِعٌ، لِأَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَتِ الْكِفَايَةُ وَالْأَمَانَةُ فِي الْقَائِمِ بِأَمْرٍ، فَقَدْ تَمَّ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ كَلَامٌ جَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ، وَصَارَ مَطْرُوقًا لِلنَّاسِ، وَكَانَ ذَلِكَ تَعْلِيلًا لِلِاسْتِئْجَارِ، وَكَأَنَّهَا قَالَتِ:
اسْتَأْجِرْهُ لِأَمَانَتِهِ وَقُوَّتِهِ، وَصَارَ الْوَصْفَانِ مُنَبِّهَيْنِ عَلَيْهِ. وَنَظِيرُ هَذَا التَّرْكِيبِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلَا إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ حَيًّا وَهَالِكًا ... أَسِيرُ ثَقِيفٍ عِنْدَهُمْ فِي السَّلَاسِلِ
جَعَلَ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الِاسْمَ، اعْتِنَاءً بِهِ. وَحَكَمَتْ عَلَيْهِ بِالْقُوَّةِ وَالْأَمَانَةِ. وَلَمَّا وَصَفَتْهُ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ قَالَ لَهَا أَبُوهَا: وَمِنْ أَيْنَ عَرَفْتِ هَذَا؟ فَذَكَرَتْ إِقْلَالَهُ الْحَجَرَ وَحْدَهُ، وَتَحَرُّجَهُ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا حِينَ وَصَفَتْهَا الرِّيحُ وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقِيلَ: قَالَ لَهَا مُوسَى ابْتِدَاءً: كُونِي وَرَائِي، فَإِنِّي رَجُلٌ لَا أَنْظُرُ إِلَى أَدْبَارِ النِّسَاءِ، وَدُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَفْرَسُ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ: بِنْتُ شُعَيْبٍ وَصَاحِبُ يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ: عَسى أَنْ يَنْفَعَنا [1] ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي عُمَرَ. وَفِي قَوْلِهَا: اسْتَأْجِرْهُ، دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِجَارَةِ عِنْدَهُمْ، وَكَذَا كَانَتْ فِي كُلِّ مِلَّةٍ، وَهِيَ ضَرُورَةُ النَّاسِ وَمَصْلَحَةُ الْخِلْطَةِ، خِلَافًا لِابْنِ عُلَيَّةَ وَالْأَصَمِّ، حَيْثُ كَانَا لَا يُجِيزَانِهَا وَهَذَا مِمَّا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَخِلَافُهُمَا خَرَقٌ.
قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ: رَغِبَ شُعَيْبٌ فِي مُصَاهَرَتِهِ، لِمَا وَصَفَتْهُ بِهِ، وَلِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ عُزُوفِهِ عَنِ الدُّنْيَا وَتَعَلُّقِهِ بِاللَّهِ وَفِرَارِهِ مِنَ الْكَفَرَةِ. وَقَرَأَ وَرْشٌ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي عَمْرٍو: أُنْكِحَكَ احْدَى، بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَنْ أُنْكِحَكَ، أَنَّ الْإِنْكَاحَ إِلَى الْوَلِيِّ لَا حَقَّ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ، بِأَنْ تَكُونَ بَالِغَةً عَالِمَةً بِمَصَالِحِ نَفْسِهَا، فَإِنَّهَا تَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهَا بِمَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَرْضِ الْوَلِيِّ وَلِيَّتَهُ عَلَى الزَّوْجِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ، وَدَلِيلٌ عَلَى تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْمَارٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا بَلَغَتِ الْبِكْرُ، فَلَا تُزَوَّجُ إِلَّا بِرِضَاهَا. قِيلَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ، أَوِ الْإِنْكَاحِ، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وداود. وإحدى ابْنَتَيَّ: مُبْهَمٌ، وَهَذَا عَرْضٌ لَا عَقْدٌ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: إِنِّي أُرِيدُ؟ وَحِينَ الْعَقْدِ يُعَيِّنُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ لَمْ

[1] سورة يوسف: 12/ 21.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 299
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست