responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 260
مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ. فَأَيْنَ دَلِيلُكُمْ عَلَيْهِ؟ وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَمِيعِ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي جِيءَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيرِ، وَنَاسَبَ خَتْمَ كُلِّ اسْتِفْهَامٍ بِمَا تَقَدَّمَهُ.
لَمَّا ذَكَرَ إِيجَادَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، وَمَا امْتَنَّ بِهِ مِنْ إِنْزَالِ الْمَطَرِ وَإِنْبَاتِ الْحَدَائِقِ، اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُعْبَدَ إِلَّا مُوجِدُ الْعَالَمِ وَالْمُمْتَنُّ بِمَا بِهِ قِوَامُ الْحَيَاةِ، فَخَتَمَ بِقَوْلِهِ: بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ، أَيْ عَنْ عِبَادَتِهِ، أَوْ يَعْدِلُونَ بِهِ غَيْرَهُ مِمَّا هُوَ مَخْلُوقٌ مُخْتَرَعٌ.
وَلَمَّا ذَكَرَ جَعْلَ الْأَرْضِ مُسْتَقَرًّا، وَتَفْجِيرَ الْأَنْهَارِ، وَإِرْسَاءَ الْجِبَالِ، وَكَانَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى تَعَقُّلِ ذَلِكَ وَالْفِكْرِ فِيهِ، خَتَمَ بِقَوْلِهِ: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، إِذْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْلَمُ وَيُفَكِّرُ فِي ذَلِكَ. وَلَمَّا ذَكَرَ إِجَابَةَ دُعَاءِ الْمُضْطَرِّ، وَكَشْفَ السُّوءِ، وَاسْتِخْلَافَهُمْ فِي الْأَرْضِ، نَاسَبَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ الْإِنْسَانُ دَائِمًا هَذِهِ الْمِنَّةَ، فَخَتَمَ بِقَوْلِهِ: قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ، إِشَارَةً إِلَى تَوَالِي النِّسْيَانِ إِذَا صَارَ فِي خَيْرٍ وَزَالَ اضْطِرَارُهُ وَكَشْفِ السُّوءِ عَنْهُ، كَمَا قَالَ: نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ [1] . وَلَمَّا ذَكَرَ الْهِدَايَةَ فِي الظُّلُمَاتِ، وَإِرْسَالَ الرِّيَاحِ نُشُرًا، وَمَعْبُودَاتُهُمْ لَا تَهْدِي وَلَا تُرْسِلُ، وَهُمْ يُشْرِكُونَ بِهَا اللَّهَ، قَالَ تَعَالَى: عَمَّا يُشْرِكُونَ. وَاعْتَقَبَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْجُمَلِ قَوْلَهُ: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ، عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ وَالتَّقْرِيرِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ تَعَالَى.
قِيلَ: سَأَلَ الْكُفَّارَ عَنْ وَقْتِ الْقِيَامَةِ الَّتِي وَعَدَهُمُ الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، فَنَزَلَ
: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، الْآيَةَ. وَالْمُتَبَادِرُ إِلَى الذِّهْنِ أَنَّ من فاعل بيعلم، والغيب مفعول، وإلا اللَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِعَدَمِ انْدِرَاجِهِ فِي مَدْلُولِ لَفْظِ مَنْ، وَجَاءَ مَرْفُوعًا عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ، وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِعِلْمِ الْغَيْبِ. وَعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي مَدْلُولِ من، فيكون في السموات إشارة إلى ظَرْفًا حَقِيقِيًّا لِلْمَخْلُوقِينَ فِيهِمَا، وَمَجَازِيًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى، أَيْ هُوَ فِيهَا بِعِلْمِهِ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَإِنْكَارُهُ هُوَ الصَّحِيحُ. وَمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فَيَصِحُّ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا، وَارْتَفَعَ عَلَى الْبَدَلِ أَوِ الصِّفَةِ، وَالرَّفْعُ أَفْصَحُ مِنَ النَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ نَفْيٍ مُتَقَدِّمٍ، وَالظَّاهِرُ عُمُومُ الْغَيْبِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ غيب الساعة.

[1] سورة الزمر: 39/ 8.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 260
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست