responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 256
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَبِعَهُمُ الْمُتَرَسِّلُونَ فِي أَوَائِلِ كُتُبِ الْفُتُوحِ وَالتَّهَانِي وَالْحَوَادِثِ الَّتِي لَهَا شَأْنٌ. وَقِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ، وَأَمَرَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ عَلَى هَلَاكِ الْهَالِكِينَ مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ، وَالسَّلَامِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمُ النَّاجِينَ.
وَقِيلَ: قُلِ، خِطَابٌ لِلُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَى هَلَاكِ كُفَّارِ قَوْمِهِ، وَيُسَلِّمُ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى. وَعَزَا هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ عَطِيَّةَ لِلْفَرَّاءِ، وَقَالَ: هَذِهِ عُجْمَةٌ مِنَ الْفَرَّاءِ. وَقَرَأَ أَبُو السِّمَاكِ: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَكَذَا: قُلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرَيْكُمْ، بِفَتْحِ اللَّامِ، وَعِبَادُهُ الْمُصْطَفَوْنَ، يَعُمُّ الْأَنْبِيَاءَ وَأَتْبَاعَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْعِبَادُ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اصْطَفَاهُمْ لِنَبِيِّهِ، وَفِي اخْتِصَاصِهِمْ بِذَلِكَ تَوْبِيخٌ لِلْمُعَاصِرِينَ مِنَ الْكُفَّارِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَحْوَالَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّ مَنْ كَذَّبَهُمُ اسْتُؤْصِلَ بِالْعَذَابِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُرْتَفِعٌ عَنْ أُمَّةِ الرَّسُولِ، أَمَرَهُ تَعَالَى بِحَمْدِهِ عَلَى مَا خَصَّهُ مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَتَسْلِيمِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى مَشَاقِّ الرِّسَالَةِ. انْتَهَى، وَفِيهِ تَلْخِيصٌ.
وَقَوْلُهُ: آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ: اسْتِفْهَامٌ فِيهِ تَبْكِيتٌ وَتَوْبِيخٌ وَتَهَكُّمٌ بِحَالِهِمْ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَوْضِعِ التَّبَايُنِ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْأَوْثَانِ، إِذْ مَعْلُومٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ عَقْلٌ أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِي الْخَيْرِيَّةِ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَهُمْ، وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ هَذَا النَّوْعُ مِنْ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ حَيْثُ يُعْلَمُ وَيُتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِيهَا وَإِنَّمَا يُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ إِلْزَامِ الْخَصْمِ وَتَنْبِيهِهِ عَلَى خَطَأِ مُرْتَكِبِهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاسْتِفْهَامَ هُوَ عن خيرية الذَّوَاتِ، فَقِيلَ: جَاءَ عَلَى اعْتِقَادِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ اعْتَقَدُوا فِي آلِهَتِهِمْ خَيْرًا بِوَجْهٍ مَا، وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ فِي مَوْضِعَيْنِ، التَّقْدِيرُ: أَتَوْحِيدُ اللَّهِ خَيْرٌ أَمْ عِبَادَةُ مَا يُشْرِكُونَ؟ فَمَا فِي أَمْ مَا بِمَعْنَى الَّذِي. وَقِيلَ: مَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْحَذْفُ مِنَ الْأَوَّلِ، أَيْ أَتَوْحِيدُ اللَّهِ خَيْرٌ أَمْ شِرْكُكُمْ؟ وَقِيلَ: خَيْرٌ لَيْسَتْ لِلتَّفْضِيلِ، فَهِيَ كَمَا تَقُولُ:
الصَّلَاةُ خَيْرٌ، يَعْنِي خَيْرًا مِنَ الْخُيُورِ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ ذُو خَيْرٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ خَيْرًا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ، وَأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي نَحْوِ هَذَا يَجِيءُ لِبَيَانِ فَسَادِ مَا عَلَيْهِ الْخَصْمُ، وَتَنْبِيهِهِ عَلَى خَطَئِهِ، وَإِلْزَامِهِ الْإِقْرَارَ بِحَصْرِ التَّفْضِيلِ فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَانْتِفَائِهِ عَنِ الْآخَرِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تُشْرِكُونَ، بِتَاءِ الْخِطَابِ وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَعَاصِمٌ، وَأَبُو عَمْرٍو: بِيَاءِ الْغَيْبَةِ.
وَأَمْ فِي أَمْ مَا مُتَّصِلَةٌ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَيُّهُمَا خَيْرٌ؟ وفي أَمَّنْ خَلَقَ وَمَا بَعْدَهُ مُنْفَصِلَةٌ. وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ خَيْرًا، عَدَّدَ سُبْحَانَهُ الْخَيْرَاتِ وَالْمَنَافِعَ الَّتِي هِيَ آثَارُ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، كَمَا عَدَّدَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، تَوْقِيفًا لَهُمْ عَلَى مَا أَبْدَعَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ بُدًّا مِنَ الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 256
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست