responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 241
مَطْرُوفُكَ، أَيْ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْكَ مَنْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مُنْتَهَى بَصَرِكَ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ الْمُتَقَدِّمُ، لِأَنَّ مَنْ يَقَعُ طَرْفُكَ عَلَيْهِ هُوَ مَطْرُوفُكَ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَبْلَ أَنْ يَنْقَبِضَ إِلَيْكَ طَرْفُكَ بِالْمَوْتِ، فَخَبَّرَهُ أَنَّهُ سَيَأْتِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، بَلِ الْمَعْنَى آتِيكَ بِهِ سَرِيعًا. وَقِيلَ: ارْتِدَادُ الطَّرْفِ مَجَازٌ هُنَا، وَهُوَ مِنْ بَابِ مُجَازِ التَّمْثِيلِ، وَالْمُرَادُ اسْتِقْصَارُ مُدَّةِ الْإِتْيَانِ بِهِ، كَمَا تَقُولُ لِصَاحِبِكَ: افْعَلْ كَذَا فِي لَحْظَةٍ، وَفِي رَدَّةِ طَرْفٍ، وَفِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، تُرِيدُ بِهِ السُّرْعَةَ، أَيْ آتِيكَ بِهِ فِي مُدَّةٍ أَسْرَعَ مِنْ مُدَّةِ الْعِفْرِيتِ.
فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَدَعَا اللَّهَ فَأَتَاهُ بِهِ، فَلَمَّا رَآهُ: أَيْ عَرْشَ بِلْقِيسَ. قِيلَ: نَزَلَ عَلَى سُلَيْمَانَ مِنَ الْهَوَاءِ. وَقِيلَ: نَبَعَ مِنَ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: مِنَ تَحْتِ عَرْشِ سُلَيْمَانَ، وَانْتَصَبَ مستقرا على الحال، وعنده مَعْمُولٌ لَهُ. وَالظَّرْفُ إِذَا وَقَعَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، كَانَ الْعَامِلُ فِيهِ وَاجِبَ الْحَذْفِ. فَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَظَهَرَ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ مِنْ قَوْلِهِ:
مُسْتَقِرًّا، وَهَذَا هُوَ الْمُقَدَّرُ أَبَدًا فِي كُلِّ ظَرْفٍ وَقَعَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَمُسْتَقِرًّا، أَيْ ثَابِتًا غَيْرَ مُتَقَلْقِلٍ، وَلَيْسَ بِمَعْنَى الْحُضُورِ الْمُطْلَقِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ. انْتَهَى. فَأَخَذَ فِي مُسْتَقِرًّا أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الِاسْتِقْرَارِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ كَوْنُهُ غَيْرَ مُتَقَلْقِلٍ، حَتَّى يَكُونَ مَدْلُولُهُ غَيْرَ مَدْلُولِ الْعِنْدِيَّةِ، وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ لِذِكْرِ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ الْوَاقِعِ حَالًا وَقَدْ قُدِّرَ ذِكْرُ الْعَامِلِ فِي مَا وَقَعَ خَبَرًا مِنَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ التَّامِّ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَكَ العزان مولاك عزوان يَهُنْ ... فَأَنْتَ لَدَى بُحْبُوحَةِ الْهُونِ كَائِنُ
قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي: أَيْ هَذَا الْإِتْيَانُ بِعَرْشِهَا، وَتَحْصِيلُ مَا أَرَدْتُ مِنْ ذَلِكَ، هُوَ مِنْ فَضْلِ رَبِّي عَلَيَّ وَإِحْسَانِهِ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَعْنَى أَأَشْكُرُ عَلَى السَّرِيرِ وَسَوْقِهِ أَمْ أَكْفُرُ؟ إِذْ رَأَيْتُ مَنْ هُوَ دُونِي فِي الدُّنْيَا أَعْلَمُ مِنِّي. انْتَهَى. وَتَلَقِّي سُلَيْمَانُ النِّعْمَةَ وَفَضْلَ اللَّهِ بِالشُّكْرِ، إِذْ ذَاكَ نِعْمَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ، والشكر قيد للنعم. وأ أشكر أَمْ أَكْفُرُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِيَبْلُوَنِي، وَهُوَ مُعَلَّقٌ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّمْيِيزِ، وَالتَّمْيِيزُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ، وَكَثِيرٌ التَّعْلِيقُ فِي هَذَا الْفِعْلِ إِجْرَاءً لَهُ مَجْرَى الْعِلْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَادِفًا لَهُ، لِأَنَّ مَدْلُولَهُ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الِاخْتِبَارُ. وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ: أَيْ ذَلِكَ الشُّكْرُ عَائِدٌ ثَوَابُهُ إِلَيْهِ، إِذْ كَانَ قَدْ صَانَ نَفْسَهُ عَنْ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ، وَفَعَلَ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مِنْ شُكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَمَنْ كَفَرَ: أَيْ فَضْلَ اللَّهِ وَنِعْمَتَهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ عَنْ شُكْرِهِ، لَا يَعُودُ مَنْفَعَتُهَا إِلَى اللَّهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ الْكَرِيمُ بِالْإِنْعَامِ عَلَى مَنْ كَفَرَ نِعْمَتَهُ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَلِذَلِكَ أُضْمِرَ فَاءٌ فِي قَوْلِهِ:

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 241
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست