responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 228
وَلَمَّا كَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ آتَاهُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَكَانَ لَهُ عَرْشٌ عَظِيمٌ، أَخْبَرَهُ بِهَذَا النَّبَأِ الْعَظِيمِ، حَيْثُ كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنْ يُشَارِكُهُ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ. وَلَمْ يَلْتَفِتْ سُلَيْمَانُ لِذَلِكَ، إِذْ كَانَ مُعْرِضًا عَنْ أُمُورِ الدُّنْيَا. فَانْتَقَلَ الْهُدْهُدُ إِلَى الْإِخْبَارِ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الدِّينِ، وَمَا أَحْسَنَ انْتِقَالَاتِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ بَعْدَ تَهَدُّدِ الْهُدْهُدِ وَعِلْمِهِ بِذَلِكَ، أَخْبَرَ أَوَّلًا بِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ سُلَيْمَانُ، تَحَصُّنًا مِنَ الْعُقُوبَةِ، بِزِينَةِ الْعِلْمِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ، فَتَشَوَّفَ السَّامِعُ إِلَى علم ذلك. ثم أخبر ثانيا يتعلق ذَلِكَ الْعِلْمِ، وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ سَبَأٍ، وَأَنَّهُ أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ لَا شَكَّ فِيهِ، فَزَادَ تَشَوُّفُ السَّامِعِ إِلَى سَمَاعِ ذَلِكَ النَّبَأِ. ثُمَّ أَخْبَرَ ثَالِثًا عَنِ الْمُلْكِ الَّذِي أُوتِيَتْهُ امْرَأَةٌ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ رَابِعًا مَا ظَاهِرُهُ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا وَلَا شَأْنِ النِّسَاءِ أَنْ تَمْلِكَ فُحُولَ الرِّجَالِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَوْلُهُ: وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ لَهُ بِسَاطٌ قَدْ صُنِعَ لَهُ، وَكَانَ عَظِيمًا. وَلَمَّا لَمْ يَتَأَثَّرْ سُلَيْمَانُ لِلْإِخْبَارِ بِهَذَا كُلِّهِ، إِذْ هُوَ أَمْرٌ دُنْيَاوِيٌّ، أَخْبَرَهُ خَامِسًا بِمَا يَهُزُّهُ لِطَلَبِ هَذِهِ الْمَلِكَةِ، ودعائها إلى الإيمان، وَإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ فَقَالَ: وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ: إِنَّهُمْ كَانُوا مَجُوسًا يَعْبُدُونَ الْأَنْوَارَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. وَقِيلَ: كَانُوا زَنَادِقَةً.
وَهَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ مِنَ الْهُدْهُدِ كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِذَارِ عَنْ غَيْبَتِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ، وَعَرَفَ أَنَّ مَقْصِدَ سُلَيْمَانَ الدُّعَاءُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا وَاضِحًا أَزَالَ عَنْهُ الْعُقُوبَةَ الَّتِي كَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ تَوَعَّدَهُ بِهَا. وَقَامَ ذَلِكَ الْإِخْبَارُ مَقَامَ الْإِيقَانِ بِالسُّلْطَانِ الْمُبِينِ، إِذْ كَانَ فِي غَيْبَتِهِ مَصْلَحَةٌ لِإِعْلَامِ سُلَيْمَانَ بِمَا كَانَ خَافِيًا عَنْهُ، وَمَآلُهُ إِلَى إِيمَانِ الْمَلِكَةِ وَقَوْمِهَا.
وَخَفِيَ مُلْكُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَمَكَانُهَا عَلَى سُلَيْمَانَ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا قَرِيبَةً، كَمَا خَفِيَ مُلْكُ يُوسُفَ عَلَى يَعْقُوبَ، وَذَلِكَ لِأَمْرٍ أَرَادَهُ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمِنْ نَوْكَى الْقُصَّاصِ مَنْ يَقِفُ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَجَدْتُهَا يُرِيدُ أَمْرٌ عَظِيمٌ، أَنْ وَجَدْتُهَا فَرَّ مِنَ اسْتِعْظَامِ الْهُدْهُدِ عَرْشَهَا، فَوَقَعَ فِي عَظِيمَةٍ وَهِيَ نسخ كِتَابِ اللَّهِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا فَإِنْ قُلْتَ: مِنْ أَيْنَ لِلْهُدْهُدِ الْهُدَى إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَوُجُوبِ السُّجُودِ لَهُ، وَإِنْكَارِ السُّجُودِ لِلشَّمْسِ، وَإِضَافَتِهِ إِلَى الشَّيْطَانِ وَتَزْيِينِهِ؟ قُلْتُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُلْهِمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ، كَمَا أَلْهَمَهُ وَغَيْرَهُ مِنَ الطُّيُورِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَعَارِفَ اللَّطِيفَةَ الَّتِي لَا تَكَادُ الْعُقَلَاءُ يَهْتَدُونَ لَهَا. وَمَنْ أَرَادَ اسْتِقْرَاءَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِكِتَابِ الْحَيَوَانِ خُصُوصًا فِي زَمَانِ نَبِيٍّ سُخِّرَتْ لَهُ الطُّيُورُ وَعُلِّمَ مَنْطِقَهَا، وَجُعِلَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لَهُ. انْتَهَى.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 228
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست