responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 177
عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيُفَسَّرُ قَوْلُهُمْ: الْأَرْذَلُونَ، بِمَا هُوَ الرُّذَالَةُ عِنْدَهُ مِنْ سُوءِ الْأَعْمَالِ وَفَسَادِ الْعَقَائِدِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا هُوَ الرُّذَالَةُ عِنْدَهُمْ. ثُمَّ بَنَى جَوَابَهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَقُولُ: مَا عَلَيَّ إِلَّا اعْتِبَارُ الظَّوَاهِرِ، دُونَ التَّفْتِيشِ عَلَى أَسْرَارِهِمْ وَالشَّقِّ عَنْ قُلُوبِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ، فَاللَّهُ مُحَاسِبُهُمْ وَمُجَازِيهِمْ، وَمَا أَنَا إِلَّا مُنْذِرٌ لَا مُحَاسِبٌ، وَلَا مُجَازٍ، لَوْ تَشْعُرُونَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّكُمْ تَجْهَلُونَ، فَتَنْسَاقُونَ مَعَ الْجَهْلِ حَيْثُ سَيَّرَكُمُ. وَقُصِدَ بِذَلِكَ رَدُّ اعْتِقَادِكُمْ، وَإِنْكَارُ أَنْ يُسَمَّى الْمُؤْمِنُ رَذْلًا، وَإِنْ كَانَ أَفْقَرَ النَّاسِ وَأَوْضَعَهُمْ نَسَبًا. فَإِنَّ الْغِنَى غِنَى الدِّينِ، وَالنَّسَبَ نَسَبُ التَّقْوَى. انْتَهَى. وَهُوَ تَكْثِيرٌ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: وَمَا علمي، ما نافية، وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِعِلْمِي. انْتَهَى.
وَهَذَا التَّخْرِيجُ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِضْمَارٍ خَبَرٍ حَتَّى تَصِيرَ جُمْلَةً وَلَمَّا كَانُوا لَا يُصَدِّقُونَ بِالْحِسَابِ وَلَا بِالْبَعْثِ، أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ: لَوْ تَشْعُرُونَ، أَيْ بِأَنَّ الْمَعَادَ حَقٌّ، وَالْحِسَابَ حَقٌّ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
تَشْعُرُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ الْهَمْدَانِيُّ: بِيَاءِ الْغَيْبَةِ.
وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ: هَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ ذَلِكَ فَأَجَابَهُمْ بِذَلِكَ، كَمَا
طَلَبَ رُؤَسَاءُ قُرَيْشٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُدَ مَنْ آمَنُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، فَنَزَلَتْ: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ «1»
الْآيَةَ، أَيْ لَا أَطْرُدُهُمْ عَنِّي لِاتِّبَاعِ شَهَوَاتِكُمْ وَالطَّمَعِ فِي إِيمَانِكُمْ.
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ، مَا جِئْتَ بِهِ بِالْبُرْهَانِ الصَّحِيحِ الَّذِي يُمَيَّزُ بِهِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ. وَلَمَّا اعْتَلُّوا فِي تَرْكِ إِيمَانِهِمْ بِإِيمَانِ مَنْ هُوَ دُونَهُمْ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ تَثْلُجَ صُدُورُهُمْ لِلْإِيمَانِ، إِذِ اتِّبَاعُ الْحَقِّ لَا يَأْنَفُ مِنْهُ أَحَدٌ لِوُجُودِ الشَّرِكَةِ فِيهِ، أَخَذُوا فِي التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ.
قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ عَنْ تَقْبِيحِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، وَادِّعَائِكَ الرِّسَالَةَ مِنَ اللَّهِ، لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ، أَيْ بِالْحِجَارَةِ. وَقِيلَ: بِالشَّتْمِ. وَأَيِسَ إِذْ ذَاكَ مِنْ فَلَاحِهِمْ، فَنَادَى رَبَّهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِهِ: إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ، فَدُعَائِي لَيْسَ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ آذَوْنِي، وَلَكِنْ لِأَجْلِ دِينِكَ.
فَافْتَحْ، أَيْ فَاحْكُمْ. وَدَعَا لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ آمَنَ بِهِ بِالنَّجَاةِ، وَفِي ذَلِكَ إِشْعَارٌ بِحُلُولِ الْعَذَابِ بِقَوْمِهِ، أَيْ: وَنَجِّنِي مِمَّا يَحِلُّ بِهِمْ. وَقِيلَ: وَنَجِّنِي مِنْ عَمَلِهِمْ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْعُقُوبَةِ. وَالْفُلْكُ وَاحِدٌ وَجَمْعٌ، وَغَالِبُ اسْتِعْمَالِهِ جَمْعًا لِقَوْلِهِ: وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ [2] ، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ [3] ، فَحَيْثُ أَتَى فِي غَيْرِ فَاصِلَةٍ، اسْتُعْمِلَ جَمْعًا، وَحَيْثُ كَانَ فَاصِلَةً، اسْتُعْمِلَ مُفْرَدًا لِمُرَاعَاةِ الْفَوَاصِلِ، كَهَذَا الْمَوْضِعِ. وَالَّذِي فِي سُورَةِ يس، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ إِذَا كَانَ مَدْلُولُهُ جَمْعًا، أَهْوَ جَمْعُ تَكْسِيرٍ، أَمِ اسْمُ جَمْعٍ؟ وَالْمَشْحُونُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُوقَرُ، وَقَالَ عَطَاءٌ:
الْمُثْقَلُ. ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ: أَيْ بَعْدَ نَجَاةِ نُوحٍ وَالْمُؤْمِنِينَ.

(1) سورة الأنعام: 6/ 52.
[2] سورة النحل: 16/ 14.
[3] سورة البقرة: 2/ 164.
تفسير البحر المحيط ج 8 م 12
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 177
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست