responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 164
الِاسْتِفْهَامِ، لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا: يَسْمَعُونَنَا وَيَنْفَعُونَنَا وَيَضُرُّونَنَا، فَضَحُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْكَذِبِ الَّذِي لَا يُمْتَرَى فِيهِ، وَلَوْ قَالُوا: يَسْمَعُونَنَا وَلَا يَضُرُّونَنَا، أَسْجَلُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْخَطَأِ الْمَحْضِ، فعدلوا إلى التقليد البحث لِآبَائِهِمْ فِي عِبَادَتِهَا مِنْ غَيْرِ بُرْهَانٍ وَلَا حُجَّةٍ. وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بيفعلون، أَيْ يَفْعَلُونَ فِي عِبَادَتِهِمْ تِلْكَ الْأَصْنَامَ مِثْلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي يَفْعَلُهُ، وَهُوَ عِبَادَتُهُمْ وَالْحَيْدَةُ عَنِ الْجَوَابِ مِنْ عَلَامَاتِ انْقِطَاعِ الْحُجَّةِ. وَبَلْ هُنَا إِضْرَابٌ عَنْ جَوَابِهِ لَمَّا سَأَلَ وَأَخَذَ فِي شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يَسْأَلْهُمْ عَنْهُ انْقِطَاعًا وَإِقْرَارًا بِالْعَجْزِ.
وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ: وَصَفَهُمْ بالأقدمين دلالة على ما تَقَادُمِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فِيهِمْ، وَإِذْ كَانُوا قَدْ عَبَدُوهَا فِي زَمَانِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَزَمَانِ مَنْ بَعْدَهُ؟ وَعَدُوٌّ: يَكُونُ لِلْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ، كَمَا قَالَ: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ، قِيلَ: شُبِّهَ بِالْمَصْدَرِ، كَالْقَبُولِ وَالْوَلُوعِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ: عَدُوٌّ لِي، تَصَوُّرًا لِلْمَسْأَلَةِ فِي نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى: أَيْ فَكَّرْتُ فِي أَمْرِي، فَرَأَيْتُ عِبَادَتِي لَهَا عِبَادَةً لِلْعَدُوِّ، فَاجْتَنَبْتُهَا وَآثَرْتُ عِبَادَةً مَنِ الْخَيْرُ كُلُّهُ مِنْهُ، وَأَرَاهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهَا نَصِيحَةٌ نَصَحَ بِهَا نَفْسَهُ أَوَّلًا، وَبَنَى عَلَيْهَا تَدْبِيرَ أَمْرِهِ، لِيَنْظُرُوا وَيَقُولُوا: مَا نَصَحَنَا إِبْرَاهِيمُ إِلَّا بِمَا نَصَحَ بِهِ نَفْسَهُ، وَمَا أَرَادَ لَنَا إِلَّا مَا أَرَادَ لِرُوحِهِ، لِيَكُونَ أَدْنَى لَهُمْ إِلَى الْقَبُولِ، وَأَبْعَثَ عَلَى الِاسْتِمَاعِ مِنْهُ. وَلَوْ قَالَ: فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لَكُمْ، لَمْ يَكُنْ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ، وَلِأَنَّهُ دَخَلَ فِي بَابٍ مِنَ التَّعْرِيضِ، وَقَدْ يُبْلِغُ التَّعْرِيضُ لِلْمَنْصُوحِ. مَا لَا يُبْلِغُ التَّصْرِيحُ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَأَمَّلُ فِيهِ، فَرُبَّمَا قَادَهُ التَّأْمِيلُ إِلَى التَّقَبُّلِ. وَمِنْهُ مَا يُحْكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا وَاجَهَهُ بِشَيْءٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ بِحَيْثُ أَنْتَ لَاحْتَجْتُ إِلَى أَدَبٍ وَسَمِعَ رَجُلٌ نَاسًا يَتَحَدَّثُونَ عَنِ الْحِجْرِ فَقَالَ: مَا هُوَ بَيْتِي وَلَا بَيْتُكُمْ. انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ تَكْثِيرٌ عَلَى عَادَتِهِ، وَذَهَابُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ قوله: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي، مِنَ الْمَقْلُوبِ وَالْأَصْلُ: فَإِنِّي عَدُوٌّ لَهُمْ، لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تُعَادِي لِكَوْنِهَا جَمَادًا، وَإِنَّمَا هُوَ عَادَاهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ.
أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا، فَهَذَا مَعْنَى الْعَدَاوَةِ، وَلِأَنَّ الْمُغْرِيَ عَلَى عَدَاوَتِهَا عَدُوُّ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ تَعَالَى يُحْيِي مَا عَبَدُوهُ مِنَ الْأَصْنَامِ حَتَّى يبترؤوا مِنْ عَبَدَتِهِمْ وَيُوَبِّخُوهُمْ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ، أَيْ: فَإِنَّ عُبَّادَهُمْ عَدُوٌّ لِي. وَالظَّاهِرُ إِقْرَارُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ:
تَقْدِيرُهُ: أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي، وَإِلَّا: بِمَعْنَى دُونَ وَسِوَى. انْتَهَى. فَجَعَلَهُ مُسْتَثْنًى مِمَّا بَعْدَ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِصِحَّةِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي. وَجَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمِ الْفَرَّاءُ،

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 164
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست