responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 114
وَيُحْدِثُ السُّخُونَةَ الْقَوِيَّةَ وَهِيَ مُؤْذِيَةٌ، وَلِهَذَا قِيلَ فِي الْجَنَّةِ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [1] وَالنَّاظِرُ إِلَى الْجِسْمِ الْمُلَوَّنِ كَأَنَّهُ يُشَاهِدُ بِالظِّلِّ شَيْئًا سِوَى الْجِسْمِ وَسِوَى اللَّوْنِ وَالظِّلُّ لَيْسَ أَمْرًا ثَالِثًا وَلَا معرفة به إلّا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَوَقَعَ ضَوْءُهَا عَلَى الْجِسْمِ ثُمَّ مَالَ عُرِفَ لِلظِّلِّ وُجُودٌ وَمَاهِيَّةٌ، وَلَوْلَاهَا مَا عُرِفَ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تُدْرَكُ بِأَضْدَادِهَا، فَظَهَرَ لِلْعَقْلِ أَنَّ الظِّلَّ كَيْفِيَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْجِسْمِ وَاللَّوْنِ وَلِذَلِكَ قَالَ ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا أَيْ جَعَلْنَا الظِّلَّ أَوَّلًا بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَاللَّذَّاتِ، ثُمَّ هَدَيْنَا الْعُقُولَ إِلَى مَعْرِفَةِ وَجُودِهِ بِأَنْ أَطْلَعْنَا الشَّمْسَ فَكَانَتْ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ الظِّلِّ. ثُمَّ قَبَضْناهُ أَيْ أَزَلْنَاهُ لَا دُفْعَةً بَلْ يَسِيراً يَسِيرًا كُلَّمَا ازْدَادَ ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ ازْدَادَ نُقْصَانُ الظِّلِّ مِنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ، وَلَمَّا كَانَتِ الْحَرَكَاتُ الْمَكَانِيَّةُ لَا تُوجَدُ دُفْعَةً بَلْ يَسِيرًا يَسِيرًا كَانَ زَوَالُ الْأَظْلَالِ كَذَلِكَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَ السماء والأرض وقع السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ فَجَعَلَ الشَّمْسَ دَلِيلًا لِأَنَّهُ بِحَسَبِ حَرَكَاتِ الْأَضْوَاءِ تَتَحَرَّكُ الْأَظْلَالُ فَهُمَا مُتَعَاقِبَانِ مُتَلَازِمَانِ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، فَبِمِقْدَارِ مَا يَزْدَادُ أَحَدُهُمَا يَنْقُصُ الْآخَرُ، فَكَمَا أَنَّ الْمُهْتَدِيَ يَقْتَدِي بِالْهَادِي وَالدَّلِيلِ وَيُلَازِمُهُ فَكَذَلِكَ الْأَظْلَالُ مُلَازِمَةٌ لِلْأَضْوَاءِ، وَلِذَلِكَ جَعَلَ الشَّمْسَ دَلِيلًا عَلَيْهِ انْتَهَى. مُلَخَّصًا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ، وَمُحَسَّنٌ بَعْضَ تَحْسِينٍ. وَالْآيَةُ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى هَذَا التَّكْثِيرِ.
وَقَالَ أَيْضًا: الظِّلَّ لَيْسَ عَدَمًا مَحْضًا بَلْ هُوَ أَضْوَاءٌ مَخْلُوطَةٌ بِظَلَامٍ، فَهُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ وَفِي تَحْقِيقِهِ دَقِيقٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْكُتُبِ الْعَقْلِيَّةِ انْتَهَى. وَالْآيَةُ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى هَذَا التَّكْثِيرِ وَقَدْ تَرَكْتُ أَشْيَاءَ مِنْ كَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ مِمَّا لَا تَمَسُّ إليه الحاجة.
جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً تَشْبِيهًا بِالثَّوْبِ الَّذِي يُغَطِّي الْبَدَنَ وَيَسْتُرُهُ مِنْ حَيْثُ اللَّيْلُ يَسْتُرُ الْأَشْيَاءَ.
وَالسُّبَاتُ: ضَرْبٌ مِنَ الْإِغْمَاءِ يَعْتَرِي الْيَقْظَانَ مَرَضًا فَشَبَّهَ النَّوْمَ بِهِ، وَالسَّبْتُ الْإِقَامَةُ فِي الْمَكَانِ فَكَانَ السُّبَاتُ سُكُونًا تَامًّا وَالنُّشُورُ هُنَا الْإِحْيَاءُ شَبَّهَ الْيَقَظَةَ بِهِ لِيَتَطَابَقَ الْإِحْيَاءُ مَعَ الْإِمَاتَةِ اللَّذَيْنِ يَتَضَمَّنُهُمَا النَّوْمُ وَالسُّبَاتُ انْتَهَى. ومن كَلَامِ ابْنِ عَطِيَّةَ وَقَالَ غَيْرُهُ: السُّبَاتُ الرَّاحَةُ جُعِلَ النَّوْمَ سُباتاً أَيْ سَبَبَ رَاحَةٍ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: السُّبَاتُ الْمَوْتُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [2] فَإِنْ قُلْتَ: هَلَّا فَسَّرْتَهُ بِالرَّاحَةِ؟ قُلْتُ: النُّشُورُ فِي مُقَابَلَتِهِ يَأْبَاهُ انْتَهَى. وَلَا يَأْبَاهُ إِلَّا لَوْ تَعَيَّنَ تَفْسِيرُ

[1] سورة الواقعة: 56/ 30.
[2] سورة الأنعام: 6/ 60.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 114
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست