responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 72
الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ فَقْءُ عَيْنِ الْحَامِي وَإِعْفَاؤُهُ عَنِ الرُّكُوبِ انْتَهَى. وَنَاسَبَ هَذَا أَنَّهُ ذَكَرَ أَثَرَ ذَلِكَ تَبْتِيكَ آذَانِ الْأَنْعَامِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ التَّغْيِيرُ هَذَا. وَقِيلَ: تَغْيِيرُ خَلْقِ اللَّهِ هُوَ أَنَّ كُلَّ مَا يُوجِدُهُ اللَّهُ لِفَضِيلَةٍ فَاسْتَعَانَ بِهِ فِي رَذِيلَةٍ فَقَدْ غَيَّرَ خَلْقَهُ. وَقَدْ دَخَلَ فِي عُمُومِهِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْإِنْسَانِ مِنْ شَهْوَةِ الْجِمَاعِ لِيَكُونَ سَبَبًا لِلتَّنَاسُلِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، فَاسْتَعَانَ بِهِ فِي السِّفَاحِ وَاللِّوَاطِ، فَذَلِكَ تَغْيِيرُ خَلْقِ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ الْمُخَنَّثُ إِذَا نَتَفَ لِحْيَتَهُ، وَتَقَنَّعَ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ، وَالْفَتَاةُ إِذَا تَرَجَّلَتْ مُتَشَبِّهَةً بِالْفِتْيَانِ. وَكُلُّ مَا حَلَّلَهُ اللَّهُ فَحَرَّمُوهُ، أَوْ حَرَّمَهُ تَعَالَى فَحَلَّلُوهُ. وَعَلَى ذَلِكَ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا [1] وَإِلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَشَارَ الْمُفَسِّرُونَ، وَلِهَذَا قَالُوا: هُوَ تَغْيِيرُ أَحْكَامِ اللَّهِ. وَقِيلَ: هُوَ تَغْيِيرُ الْإِنْسَانِ بِالِاسْتِلْحَاقِ أَوِ النَّفْيِ. وَقِيلَ: خِضَابُ الشَّيْبِ بِالسَّوَادِ. وَقِيلَ: مُعَاقَبَةُ الْوُلَاةِ بَعْضَ الْجُنَاةِ بِقَطْعِ الْآذَانِ، وَشَقِّ الْمَنَاخِرِ، وَكَلِّ الْعُيُونِ، وَقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ. وَمَنْ فَسَّرَ بِالْوَشْمِ أَوِ الْخِصَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ خَاصٌّ فِي التَّغْيِيرِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ لَا الْحَصْرِ.
وَفِي حَدِيثِ عِيَاضٍ الْمُجَاشِعِيِّ: «وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ أَلْهَتْهُمْ وَأَحَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ لَا يُغَيِّرُوا خَلْقِي» .
وَمَفْعُولُ أَمَرَ الثَّانِي مَحْذُوفٌ أَيْ: وَلَآمُرَنَّهُمْ بالتبتيك فيبتكن، وَلَآمُرُنَّهُمْ بِالتَّغَيُّرِ فَلَيُغَيِّرُنَّ. وَحُذِفَ لِدِلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: وَلَآمُرَنَّهُمْ بِغَيْرِ أَلِفٍ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ: وَأُضِلَّنَّهُمْ وَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَآمُرُنَّهُمْ انْتَهَى. فَتَكُونُ جُمَلًا مَقُولَةً، لَا مُقْسَمًا عَلَيْهَا.
وَجَاءَ تَرْتِيبُ هَذِهِ الْجُمَلِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهَا فِي غَايَةٍ مِنَ الْفَصَاحَةِ، بَدَأَ أَوَّلًا بِاسْتِخْلَاصِ الشَّيْطَانِ نَصِيبًا مِنْهُمْ وَاصْطِفَائِهِ إِيَّاهُمْ، ثُمَّ ثَانِيًا بِإِضْلَالِهِمْ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَحْصُلُ فِي عَقَائِدِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ، ثُمَّ ثالثا بتمنيهم الْأَمَانِيَّ الْكَوَاذِبَ وَالْإِطْمَاعَاتِ الْفَارِغَةَ، ثُمَّ رَابِعًا بِتَبْتِيكِ آذَانِ الْأَنْعَامِ، هُوَ حُكْمٌ لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ فِيهِ، ثُمَّ خَامِسًا بِتَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلتَّبْتِيكِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي شَرَعَهَا لَهُمْ. وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالْأَمْرِ بِالتَّبْتِيكِ وَإِنْ كَانَ مُنْدَرِجًا تَحْتَ عُمُومِ التَّغْيِيرِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجًا لِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ التَّغْيِيرِ الْعَامِّ، وَاسْتِيضَاحًا مِنْ إِبْلِيسَ طَوَاعِيَتَهُمْ فِي أَوَّلِ شَيْءٍ يُلْقِيهِ إِلَيْهِمْ، فَيَعْلَمَ بِذَلِكَ قَبُولَهُمْ لَهُ. فَإِذَا قَبِلُوا ذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِجَمِيعِ التَّغْيِيرَاتِ الَّتِي يُرِيدُهَا مِنْهُمْ، كَمَا يَفْعَلُ الْإِنْسَانُ بِمَنْ يَقْصِدُ خِدَاعَهُ: يَأْمُرُهُ أَوَّلًا بِشَيْءٍ سَهْلٍ، فإذا رآه قد

[1] سورة يونس: 10/ 59.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 72
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست