responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 7
وَالطِّلَابِ. قِيلَ: وَدَخَلَتِ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ لِشِدَّةِ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْهَوْلِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ إِمَّا لِقِيَامِهِمْ مِنَ الْقُبُورِ، أَوْ لِقِيَامِهِمْ لِلْحِسَابِ. قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [1] وَلَمَّا كَانَ الْحَشْرُ جَائِزًا بِالْعَقْلِ، وَاجِبًا بِالسَّمْعِ، أَكَّدَهُ بِالْقَسَمِ قَبْلَهُ وَبِالْجُمْلَةِ بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ:
لَا رَيْبَ فِيهِ. وَاحْتَمَلَ الضَّمِيرُ فِي فِيهِ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْيَوْمِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَأَنْ يَعُودَ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ. وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ لَا رَيْبَ فِيهِ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ.
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً. هَذَا اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ النَّفْيُ، التَّقْدِيرُ: لَا أَحَدَ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا. وَفَسَّرَ الْحَدِيثَ بِالْخَبَرِ أَوْ بِالْوَعْدِ قَوْلَانِ، وَالْأَظْهَرُ هُنَا الْخَبَرُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
وَذَلِكَ أَنَّ دُخُولَ الْكَذِبِ فِي حَدِيثِ الْبَشَرِ إِنَّمَا عِلَّتُهُ الْخَوْفُ أَوِ الرَّجَاءُ أَوْ سُوءُ السَّجِيَّةِ، وَهَذِهِ مَنْفِيَّةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصِّدْقُ فِي حَقِيقَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِ الْمُخْبِرِ مُوَافِقًا لِمَا فِي قَلْبِهِ، وَالْأَمْرِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ فِي وُجُودِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: أَيْ أَنَّكُمْ تَقْبَلُونَ حَدِيثَ بَعْضِكُمْ مِنْ بَعْضٍ مَعَ احْتِمَالِ صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ، فَإِنْ تَقْبَلُوا حَدِيثَ مَنْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَكُمْ بِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى. وَطَوَّلَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا إِشْعَارًا بِمَذْهَبِهِ فَقَالَ:
لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ، وَذَلِكَ أَنَّ الكذب مستقل بِصَارِفٍ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ قُبْحُهُ الَّذِي هُوَ كَوْنُهُ كَذِبًا وَإِخْبَارًا عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَمَنْ كَذَبَ لَمْ يَكْذِبْ إِلَّا لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى أَنْ يَكْذِبَ، لِيَجُرَّ مَنْفَعَةً، أَوْ يَدْفَعَ مَضَرَّةً، أَوْ هُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ، إِلَّا أَنَّهُ يَجْهَلُ غِنَاهُ، أَوْ هُوَ جَاهِلٌ بِقُبْحِهِ، أَوْ هُوَ سَفِيهٌ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي أَخْبَارِهِ، وَلَا يُبَالِي بِأَيِّهِمَا نَطَقَ، وَرُبَّمَا كَانَ الْكَذِبُ أَحْلَى عَلَى حَنَكِهِ مِنَ الصِّدْقِ. وَعَنْ بَعْضِ السُّفَهَاءِ: أَنَّهُ عُوتِبَ عَلَى الْكَذِبِ فَقَالَ: لَوْ غَرْغَرَتْ لهراتك بِهِ، مَا فَارَقْتَهُ. وَقِيلَ لِكَذَّابٍ: هَلْ صَدَقْتَ قَطُّ؟ فَقَالَ:
لَوْلَا أَنِّي صَادِقٌ فِي قَوْلِي لَا، لَقُلْتُهَا. فَكَانَ الْحَكِيمُ الْغَنِيُّ الَّذِي لَا تَجُوزُ عَلَيْهِ الْحَاجَاتُ، الْعَالِمُ بِكُلِّ مَعْلُومٍ، مُنَزَّهًا عَنْهُ كَمَا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ سَائِرِ الْقَبَائِحِ انْتَهَى. وَكَلَامُهُ تَكْثِيرٌ لَا يَلِيقُ بِكِتَابِهِ، فَإِنَّهُ مُخْتَصَرٌ فِي التَّفْسِيرِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: أَصْدَقُ بِإِشْمَامِ الصَّادِ زَايًا، وَكَذَا فِيمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنْ صَادٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا دَالٌ، نَحْوَ: يَصْدُقُونَ وَتَصْدِيَةً. وَأَمَّا إِبْدَالُهَا زَايًا مَحْضَةً فِي ذَلِكَ فَهِيَ لُغَةُ كَلْبٍ. وَأَنْشَدُوا:
يَزِيدُ اللَّهُ فِي خَيْرَاتِهِ ... حَامِي الذِّمَارِ عند مَصْدُوقَاتُهُ
يُرِيدُ: عِنْدَ مَصْدُوقَاتِهِ.

[1] سورة المطففين: 83/ 6.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 7
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست