responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 67
وَازِعٍ وَأَوْضَحُ بَيَانٍ، وَكَانَ ذَنْبُ مَنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَيَزِيغُ عَنْهُ أَعْظَمَ مِنْ ذَنْبِ الْجَاهِلِ، لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ لِتَرْكِ الْمَعْرِفَةِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ، أَوْ يَعْرِفَهُ مَنْ يُصَدِّقُهُ. وَالْعَالِمُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِتَرْكِ اسْتِعْمَالِ مَا يَقْتَضِيهِ مَعْرِفَتُهُ، فَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا إِذَا اطَّلَعَ عَلَى الْحَقِّ وَعَمِلَ بِخِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْعِنَادِ لِلَّهِ تَعَالَى، إِذْ جُعِلَ لَهُ نُورٌ يَهْتَدِي بِهِ.
وَسَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ: هُوَ الدِّينُ الْحَنِيفِيُّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ هِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ وَالتَّشْنِيعِ، وَالَا فَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ هُوَ مُتَّبِعٌ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ضَرُورَةً، وَلَكِنَّهُ بَدَأَ بِالْأَعْظَمِ فِي الْإِثْمِ، وَأَتْبَعَ بِلَازِمِهِ تَوْكِيدًا.
وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ. وَقَدْ طَوَّلَ أَهْلُ أُصُولِ الْفِقْهِ فِي تَقْرِيرِ الدَّلَالَةِ مِنْهَا، وَمَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ لَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ اتِّبَاعِ سَبِيلِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ فِي الشَّرْطِ، وَجَعَلَ جَزَاءَهُ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ، فَكَانَ اتِّبَاعُهُمْ وَاجِبًا كَمُوَالَاةِ الرَّسُولِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ الْمُرَتَّبِ عَلَى وَصْفَيْنِ اثْنَيْنِ، لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يترتب عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَالْوَعِيدُ إِنَّمَا تَرَتَّبَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَنِ اتَّصَفَ بِمُشَاقَّةِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْفِعْلُ مَعْطُوفًا عَلَى الْفِعْلِ، وَلَمْ يُعَدْ مَعَهُ اسْمُ شَرْطٍ. فَلَوْ أُعِيدَ اسْمُ الشَّرْطِ وَكَأَنْ، يَكُونَ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى، وَمَنْ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ لَكَانَ فِيهِ ظُهُورُ مَا عَلَى مَا ادَّعَوْا، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَسْلِيمِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مُغَايِرًا لِقَوْلِهِ: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ. وَقَدْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ بِمُغَايِرٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ لِمُشَاقَّةِ الرَّسُولِ، وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّوْكِيدِ وَتَفْظِيعِ الْأَمْرِ وَتَشْنِيعِهِ. وَالْآيَةُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ هِيَ وَعِيدُ الْكُفَّارِ، فَلَا دلالة فيها عَلَى جُزْئِيَّاتِ فُرُوعِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ. وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ عِصْمَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِثْمُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: مَا تَوَلَّى قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَعِيدٌ بِأَنْ يَتْرُكَ مَعَ فَاسِدِ اخْتِيَارَهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجْعَلُهُ بِالْيَاءِ، وَمَا تَوَلَّى مِنَ الضَّلَالَةِ بِأَنْ تَخْذُلَهُ وَتُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اخْتَارَ انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى مَنْزَعِهِ الِاعْتِزَالِيِّ.
وقرئ: وتصله بِفَتْحِ النُّونِ مِنْ صَلَاهُ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَيْلَةَ: يوله ويصله بِالْيَاءِ فِيهِمَا جَرْيًا عَلَى قَوْلِهِ: فَسَوْفَ يُؤْتِيهِ بِالْيَاءِ، وَفِي هَاءِ نُوَلِّهِ وَنُصْلِهِ: الْإِشْبَاعُ وَالِاخْتِلَاسُ وَالْإِسْكَانُ وَقُرِئَ بِهَا.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 67
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست