responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 469
الْغِطَاءَ وَالصَّمَمَ هُنَا لَيْسَا حَقِيقَةً بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ اسْتِعَارَةِ الْمَحْسُوسِ لِلْمَعْقُولِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ فِي النَّفْسِ، اسْتَعَارَ الْأَكِنَّةَ لِصَرْفِ قُلُوبِهِمْ عَنْ تَدَبُّرِ آيَاتِ اللَّهِ، وَالثِّقَلَ فِي الْأُذُنِ لِتَرْكِهِمُ الْإِصْغَاءَ إِلَى سَمَاعِهِ أَلَا تَرَاهُمْ قَالُوا: لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [1] فَلَمَّا لَمْ يَتَدَبَّرُوا وَلَمْ يُصْغُوا كَانُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَى قَلْبِهِ غِطَاءٌ وَفِي أُذُنِهِ وَقْرٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: ذَلِكَ حَقِيقَةٌ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ كَمُدَاخَلَةِ الشَّيْطَانِ بَاطِنَ الْإِنْسَانِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ، وَنَحَا الْجِبَائِيُّ فِي فَهْمِ هَذِهِ الْآيَةِ مَنْحًى آخَرَ غَيْرَ هَذَا فَقَالَ: كَانُوا يَسْتَمِعُونَ الْقِرَاءَةَ لِيَتَوَصَّلُوا بِسَمَاعِهَا إِلَى مَعْرِفَةِ مكان الرسول بِاللَّيْلِ فَيَقْصِدُوا قَتْلَهُ وَإِيذَاءَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ يُلْقِي عَلَى قُلُوبِهِمُ النَّوْمَ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْأَكِنَّةِ وَتَثْقُلُ أَسْمَاعُهُمْ عَنِ اسْتِمَاعِ تِلْكَ الْقِرَاءَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ النَّوْمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:
فِي آذانِهِمْ وَقْراً. وَقِيلَ: إِنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ يَسِمُ اللَّهُ قَلْبَهُ بِعَلَامَةٍ مَخْصُوصَةٍ تَسْتَدِلُّ الْمَلَائِكَةُ بِرُؤْيَتِهَا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يَبْعُدُ تَسْمِيَةُ تِلْكَ الْعَلَامَةِ بِالْكِنَانِ. وَقِيلَ: لَمَّا أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ صَارَ عُدُولُهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ كَالْكِنَانِ الْمَانِعِ عَنِ الْإِيمَانِ فَذَكَرَ تَعَالَى ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ هَذَا الْمَعْنَى. وَقِيلَ: لَمَّا مَنَعَهُمُ الْأَلْطَافَ الَّتِي إِنَّمَا تَصْلُحُ أَنْ يَفْعَلَ بِمَنْ قَدِ اهْتَدَى فَأَخْلَاهُمْ وَفَوَّضَهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ لِيَسُوءَ صَنِيعُهُمْ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ، فَيَقُولُ: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً.
وَقِيلَ: يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ وَرَدَ حِكَايَةً لِمَا كَانُوا يَذْكُرُونَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَالُوا: قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا تُعْزَى إِلَى الْجِبَائِيِّ وَهِيَ كُلُّهَا فِرَارٌ مِنْ نِسْبَةِ الْجَعْلِ إِلَى اللَّهِ حَقِيقَةً فَتَأَوَّلُوا ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْمَجَازَاتِ الْبَعِيدَةِ، وَقَدْ نَحَا الزَّمَخْشَرِيُّ مَنْحَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَقَالَ: الْأَكِنَّةُ عَلَى الْقُلُوبِ وَالْوَقْرُ فِي الْآذَانِ تَمْثِيلُ نُبُوِّ قُلُوبِهِمْ وَمَسَامِعِهِمْ عَنْ قَبُولِهِ وَاعْتِقَادِ صِحَّتِهِ وَوَجْهُ إِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى ذَاتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَجَعَلْنا لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ ثَابِتٌ فِيهِمْ لَا يَزُولُ عَنْهُمْ كَأَنَّهُمْ مَجْبُولُونَ عَلَيْهِ، أَوْ هِيَ حِكَايَةٌ لِمَا كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [2] انْتَهَى. وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِهِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَنِسْبَةُ الْجَعْلِ إِلَى اللَّهِ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خَلْقِ الْأَعْمَالِ يُبْحَثُ فِيهَا فِي أُصُولِ الدِّينَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذِهِ عِبَارَةٌ عَنْ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي نُفُوسِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مِنَ الْغِلَظِ وَالْبُعْدِ عَنْ قَبُولِ الْخَيْرِ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا سَامِعِينَ لأقواله.
وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها لَمَّا ذَكَرَ عَدَمَ انْتِفَاعِهِمْ بِعُقُولِهِمْ حَتَّى كَأَنَّ عَلَى

[1] سورة فصلت: 41/ 26.
[2] سورة فصلت: 41/ 5.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 469
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست