responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 457
أَتَى بَعْدُ بِمَا هُوَ شَامِلٌ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهُوَ قُدْرَتَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَفِي قَوْلِهِ: فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَلَا كَاشِفَ لَهُ عَنْكَ إِلَّا هُوَ.
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ لما ذكره تَعَالَى انْفِرَادَهُ بِتَصَرُّفِهِ بِمَا يُرِيدُهُ مِنْ ضُرٍّ وَخَيْرٍ وَقُدْرَتَهُ عَلَى الْأَشْيَاءِ ذَكَرَ قَهْرَهُ وَغَلَبَتَهُ، وَأَنَّ الْعَالَمَ مَقْهُورُونَ مَمْنُوعُونَ مِنْ بُلُوغِ مُرَادِهِمْ بَلْ يَقْسِرُهُمْ وَيُجْبِرُهُمْ عَلَى مَا يُرِيدُهُ هُوَ تعالى وفَوْقَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَكَانِ وَأَبْعَدَ مَنْ جَعَلَهَا هُنَا زَائِدَةً، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ وَهُوَ الْقَاهِرُ لِعِبَادِهِ وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا هُنَا حَقِيقَةٌ فِي الْمَكَانِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى حَالٌ فِي الْجِهَةِ الَّتِي فَوْقَ الْعَالَمِ إِذْ يَقْتَضِي التَّجْسِيمَ وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَذَكَرُوا أَنَّ الْفَوْقِيَّةَ هُنَا مَجَازٌ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ فَوْقَهُمْ بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ مَعْنَاهُ فَوْقَ قَهْرِ عِبَادِهِ بِوُقُوعِ مُرَادِهِ دُونَ مُرَادِهِمْ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَصْوِيرٌ لِلْقَهْرِ وَالْعُلُوِّ وَالْغَلَبَةِ وَالْقُدْرَةِ كَقَوْلِهِ: وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ [1] انْتَهَى.
وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ فَوْقَ إِشَارَةً لِعُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ وَشُفُوفِهَا عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الرُّتَبِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [2] وَقَوْلُهُ: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [3] وَقَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدًا وَجُودًا وَسُؤْدُدًا ... وَإِنَّا لِنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا
يُرِيدُ عُلُوَّ الرُّتْبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: صِفَاتُ الْكَمَالِ مَحْصُورَةٌ فِي الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فَقَوْلُهُ: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْعِلْمِ أَمَّا كَوْنُهُ قَاهِرًا فَلِأَنَّ مَا عَدَاهُ تَعَالَى مُمْكِنُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ، وَالْمُمْكِنُ لِذَاتِهِ لَا يَتَرَجَّحُ وَجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ وَلَا عَدَمُهُ عَلَى وُجُودِهِ إِلَّا بِتَرْجِيحِهِ تَعَالَى وَإِيجَادِهِ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الَّذِي قَهَرَ الْمُمْكِنَاتِ تَارَةً فِي طُرُقِ تَرْجِيحِ الْوُجُودِ عَلَى الْعَدَمِ وَتَارَةً فِي طُرُقِ تَرْجِيحِ الْعَدَمِ عَلَى الْوُجُودِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا ذَكَرَهُ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ [4] الْآيَةَ. وَالْحَكِيمُ وَالْمُحْكَمُ أَيْ أَفْعَالُهُ مُتْقَنَةٌ آمِنَةٌ مِنْ وُجُوهِ الْخَلَلِ وَالْفَسَادِ لَا بِمَعْنَى الْعَالِمِ، لِأَنَّ الْخَبِيرُ إِشَارَةٌ إِلَى الْعِلْمِ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ انْتَهَى، وَفِيهِ بَعْضُ اخْتِصَارٍ وَتَلْخِيصٍ. وَقِيلَ: الْحَكِيمُ العالم والْخَبِيرُ أَيْضًا الْعَالِمُ ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا وفَوْقَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ إِمَّا مَعْمُولًا لِلْقَاهِرِ أَيِ الْمُسْتَعْلِي فَوْقَ عِبَادِهِ، وَإِمَّا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ خبر ثان لهو أَخْبَرَ عَنْهُ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْقَاهِرُ الثَّانِي أَنَّهُ فَوْقَ عِبَادِهِ بِالرُّتْبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ وَالشَّرَفِ لَا بِالْجِهَةِ، إِذْ هُوَ الْمُوجِدُ لَهُمْ وَلِلْجِهَةِ غَيْرُ الْمُفْتَقِرِ لِشَيْءٍ مِنْ مخلوقاته

[1] سورة الأعراف: 7/ 127.
[2] سورة الفتح: 48/ 10.
[3] يوسف: 12/ 76.
[4] سورة آل عمران: 3/ 26.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 457
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست