responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 444
نَحْنُ عَلَيْهِمْ كَمَا يَلْبِسُونَ هُمْ عَلَى ضَعَفَتِهِمْ، فَكُنَّا نَنْهَاهُمْ عَنِ التَّلْبِيسِ وَنَفْعَلُهُ نَحْنُ انْتَهَى. وَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ يَحْصُلُ التَّلْبِيسُ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَاثٌ فَلَوْ رَأَوْهُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ حَصَلَ التَّلْبِيسُ عَلَيْهِمْ كَمَا حَصَلَ مِنْهُمُ التَّلْبِيسُ عَلَى غَيْرِهِمْ. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الضَّحَّاكُ: الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي دِينِهِمْ وَكُتُبِهِمْ حَرَّفُوهَا وَكَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، فَالْمَعْنَى فِي اللَّبْسِ زِدْنَاهُمْ ضَلَالًا عَلَى ضَلَالِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَبَسَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا لَبِسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِتَحْرِيفِ الْكَلَامِ عَنْ مواضعه، وما مَصْدَرِيَّةٌ وَأَضَافَ اللَّبْسَ إِلَيْهِ تَعَالَى عَلَى جِهَةِ الْخَلْقِ، وَإِلَيْهِمْ عَلَى جِهَةِ الِاكْتِسَابِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: وَلَبَسْنَا بِلَامٍ وَاحِدَةٍ وَالزُّهْرِيُّ وَلَلَبَسْنا بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ.
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. هَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا كَانَ يَلْقَى مِنْ قَوْمِهِ وَتَأَسٍّ بِمَنْ سَبَقَ مِنَ الرُّسُلِ وَهُوَ نَظِيرُ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ لِأَنَّ مَا كَانَ مَشْتَرَكًا مِنْ مَا لَا يَلِيقُ أَهْوَنُ عَلَى النَّفْسِ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ الِانْفِرَادُ وَفِي التَّسْلِيَةِ وَالتَّأَسِّي مِنَ التَّخْفِيفِ مَا لَا يَخْفَى.
وَقَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي ... عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي
وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ ... أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي
وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَلِّدِينَ:
وَلَا بُدَّ مِنْ شَكْوَى إِلَى ذِي مُرُوءَةٍ ... يُوَاسِيكَ أَوْ يُسَلِّيكَ أَوْ يَتَوَجَّعُ
وَلَمَّا كَانَ الْكُفَّارُ لَا يَنْفَعُهُمُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْعَذَابِ وَلَا يَتَسَلَّوْنَ بِذَلِكَ، نَفَى ذَلِكَ تَعَالَى عَنْهُمْ فَقَالَ: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ [1] قِيلَ: كَانَ قَوْمٌ يَقُولُونَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ، فَيَضِيقُ قَلْبُ الرَّسُولِ عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ فَسَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِخْبَارِهِ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ لِلرُّسُلِ قَبْلَكَ اسْتِهْزَاءُ قَوْمِهِمْ بِهِمْ لِيَكُونَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَنِ الْقَلْبِ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَحاقَ إِلَى آخِرِهِ، إِخْبَارٌ بِمَا جَرَى لِلْمُسْتَهْزِئِينَ بِالرُّسُلِ قَبْلَكَ وَوَعِيدٌ مُتَيَقِّنٌ لِمَنِ اسْتَهْزَأَ بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَثْبِيتٌ لِلرَّسُولِ عَلَى عَدَمِ اكْتِرَاثِهِ بِهِمْ، لِأَنَّ مَآلَهُمْ إِلَى التَّلَفِ وَالْعِقَابِ الشَّدِيدِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى يَكْفِيهِ شَرَّهُمْ وَإِذَايَتَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [2] وَمَعْنَى

[1] سورة الزخرف: 43/ 39.
[2] سورة الحجر: 15/ 95.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 444
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست