responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 375
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ جُمْلَةٌ فِيهَا تَهْدِيدٌ إِذْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى حَالِ الْعَبْدِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَهُوَ مُجَازِيهِ عَلَى ذَلِكَ ثَوَابًا أَوْ عِقَابًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى أَلْزَمَ رَسُولَهُ التَّبْلِيغَ لِلشَّرِيعَةِ وَأَلْزَمَكُمْ أَنْتُمْ تَبْلِيغَهَا فَهُوَ الْعَالِمُ بِمَا تُبْدُونَ مِنْهَا وَمَا تَكْتُمُونَهُ فَيُجَازِيكُمْ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ خِطَابًا لِأُمَّتِهِ إِذَا كَانَ الْإِبْدَاءُ وَالْكَتْمُ يُمْكِنُ صُدُورُهُمَا مِنْهُمْ بِخِلَافِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُمَ شَيْئًا مِنْ شَرَائِعِ اللَّهِ تَعَالَى.
قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ
رَوَى جَابِرٌ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ تِجَارَتِي، فَهَلْ يَنْفَعُنِي ذَلِكَ الْمَالُ إِذَا عَمِلْتُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الطَّيِّبَ» فَنَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ تَصْدِيقًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَذَّرَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَرَغَّبَ فِي التَّوْبَةِ بِقَوْلِهِ: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ الْآيَةَ. وَأَتْبَعَهُ فِي التَّكْلِيفِ بِقَوْلِهِ: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ ثُمَّ بِالتَّرْغِيبِ فِي الطَّاعَةِ وَالتَّنْفِيرِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ أَتْبَعَهُ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي الطَّاعَةِ وَالتَّنْفِيرِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ. فَقَالَ هَلْ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ، الْآيَةَ أَوْ يُقَالُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ عِقَابَهُ شَدِيدٌ لِمَنْ عَصَى وَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَنْ أَطَاعَ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَسْتَوِي الْمُطِيعُ وَالْعَاصِي وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعُصَاةِ وَالْكُفَّارِ كَثْرَةٌ فَلَا يَمْنَعُهُ كَثْرَتُهُمْ مِنْ عِقَابِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَبِيثَ وَالطَّيِّبَ عَامَّانِ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُمَا حَلَالُ الْمَالِ وَحَرَامُهُ وَصَالِحُ الْعَمَلِ وَفَاسِدُهُ وَجَيِّدُ النَّاسِ وَرَدِيئُهُمْ وَصَحِيحُ الْعَقَائِدِ وَفَاسِدُهَا وَالْخَبِيثُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ لَا يَصْلُحُ وَلَا يُحَبُّ وَلَا يَحْسُنُ لَهُ عَاقِبَةٌ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ قَلَّ نَافِعٌ جَيِّدُ الْعَاقِبَةِ وَيُنْظَرُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ [1] الْآيَةَ. وَالْخَبِيثُ فَاسِدُ الْبَاطِنِ فِي الْأَشْيَاءِ حَتَّى يُظَنَّ بِهَا الصَّلَاحُ وَالطَّيِّبُ خِلَافُ ذَلِكَ وَقَدْ خَصَّصَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ هُنَا الْخَبِيثَ وَالطَّيِّبَ بِبَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ عُمُومُ اللَّفْظِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ هُوَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ الْمُطِيعُ وَالْعَاصِي وَقَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ، وَقِيلَ: الطَّيِّبُ الْمَعْرِفَةُ وَالطَّاعَةُ وَالْخَبِيثُ الْجَهْلُ وَالْمَعْصِيَةُ وَالْأَحْسَنُ حَمْلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عَلَى أَنَّهَا تَمْثِيلٌ لِلطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ لأقصر اللَّفْظِ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ:
وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَأْمُورِ بِقَوْلِهِ وَوَجْهُ كَافِ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَعْجَبَكَ أَنَّ الْمَعْنَى وَلَوْ أَعْجَبَكَ أَيُّهَا السَّامِعُ أَوْ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ وَإِمَّا أَنْ لَا يكون

[1] سورة الأعراف: 7/ 58.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 375
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست