responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 31
وَقِيلَ: لَقِيَ الصَّحَابَةُ الْمُشْرِكِينَ فَهَزَمُوهُمْ، فَشَدَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى رَجُلٍ، فَلَمَّا غَشِيَهُ السِّنَانُ قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ مَتَاعَهُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «قَتَلْتُهُ وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ؟» فَقَالَ: قَالَهَا مُتَعَوِّذًا قَالَ: «هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟»
فِي قِصَّةٍ آخِرُهَا: إِنَّ الْقَاتِلَ مَاتَ فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَطُرِحَ فِي بَعْضِ الشِّعَابِ. وَقِيلَ: هِيَ السَّرِيَّةُ الَّتِي قَتَلَ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ مِنْ أَهْلِ فَدَكَ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ.
وَقِيلَ: بَعَثَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبَا حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّ وَأَبَا قَتَادَةَ وَمُحَلَّمَ بْنَ جَثَّامَةَ فِي سِرِّيَّةٍ إِلَى أَسْلَمَ، فَلَمَّا بَلَغُوا إِلَى عَامِرِ بْنِ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيِّ حَيَّاهُمْ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، فَقَتَلَهُ محكم وَسَلَبَهُ، فَلَمَّا قَدِمُوا قَالَ:
«أقتلته بعد ما قَالَ آمَنْتُ؟» فَنَزَلَتْ
. وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ جَزَاءَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا وَأَنَّ لَهُ جَهَنَّمَ، وَذَكَرَ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلَعْنَتَهُ وَإِعْدَادَ الْعَذَابِ الْعَظِيمِ لَهُ، أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ، وَأَنْ لَا يُقْدِمَ الْإِنْسَانُ عَلَى قَتْلِ مَنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ، وَأَنْ لَا يَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا بِتَأْوِيلٍ ضَعِيفٍ، وَكَرَّرَ ذَلِكَ آخِرَ الْآيَةِ تَأْكِيدًا أَنْ لَا يُقَدَّمَ عِنْدَ الشُّبَهِ وَالْإِشْكَالِ حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ مَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ خَفَاءُ ذَلِكَ مَنُوطًا بِالْأَسْفَارِ وَالْغَمَزَاتِ قَالَ: إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ، وَإِلَّا فَالتَّثَبُّتُ وَالتَّبَيُّنُ لَازِمٌ فِي قَتْلِ مَنْ تَظَاهَرَ بِالْإِسْلَامِ فِي السَّفَرِ وَفِي الْحَضَرِ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الضَّرْبِ فِي قَوْلِهِ: لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ [1] .
وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: فَتَثَبَّتُوا بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَالْبَاقُونَ: فَتَبَيَّنُوا. وَكِلَاهُمَا تَفَعَّلَ بِمَعْنَى اسْتَفْعَلَ الَّتِي لِلطَّلَبِ، أَيِ: اطْلُبُوا إِثْبَاتَ الْأَمْرِ وَبَيَانَهُ، وَلَا تَقَدَّمُوا مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَإِيضَاحٍ.
وَقَالَ قَوْمٌ: تَبَيَّنُوا أَبْلَغُ وَأَشَدُّ مِنْ فَتَثَبَّتُوا، لِأَنَّ الْمُتَثَبِّتَ قَدْ لَا يَتَبَيَّنُ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَثَبُّتٍ، وقد يكون التثبت ولاتبين، وَقَدْ قُوبِلَ بِالْعَجَلَةِ فِي
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «التَّبَيُّنُ مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ»
. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُمَا: مُتَقَارِبَانِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، لِأَنَّ تَبَيُّنَ الرَّجُلِ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الشَّيْءَ بَانَ، بَلْ يَقْتَضِي مُحَاوَلَةً لِلتَّبَيُّنِ، كَمَا أَنَّ تَثَبَّتَ يَقْتَضِي مُحَاوَلَةً لِلتَّبَيُّنِ، فَهُمَا سَوَاءٌ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: التَّثَبُّتُ هُوَ خِلَافُ الْإِقْدَامِ، وَالْمُرَادُ: التَّأَنِّي، وَالتَّثَبُّتُ أَشَدُّ اخْتِصَاصًا بِهَذَا الْمَوْضِعِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً [2] أَيْ أَشَدَّ وَقْفًا لَهُمْ عَنْ مَا وُعِظُوا بِأَنْ لَا يُقْدِمُوا عَلَيْهِ، وَكَلَامُ النَّاسِ:

[1] سورة البقرة: 2/ 273.
[2] سورة النساء: 4/ 66.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 31
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست