responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 309
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَبِدٌ لَفْظُ مُبَالَغَةٍ كَيَقِظٍ وَنَدِسٍ، فَهُوَ لَفْظٌ مُفْرَدٌ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ، وَبُنِيَ بِنَاءَ الصِّفَاتِ لِأَنَّ عَبْدًا فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ الصِّفَةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُبْنَى مِنْهُ بِنَاءُ مُبَالَغَةٍ. وَأَنْشَدَ أَبَنِي لُبَيْنَى الْبَيْتَ، وَقَالَ: ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ بِضَمِّ الْبَاءِ انْتَهَى. وَعَدَّ ابْنُ مَالِكٍ فِي أَبْنِيَةِ أَسْمَاءِ الْجَمْعِ فُعُلًا فَقَالَ: وَمِنْهَا فُعُلٌ كَنَحْوِ سُمُرٍ وَعُبُدٍ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا رَوَى عَنْهُ عِكْرِمَةُ: وَعُبُدَ الطَّاغُوتَ جَمْعُ عَابِدٍ كَضَارِبٍ وَضُرُبٍ، وَنَصَبَ الطَّاغُوتَ أَرَادَ عُبُدًا مُنَوَّنًا فَحُذِفَ التَّنْوِينُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا قال: وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
«1» فَهَذِهِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ قِرَاءَةً بِقِرَاءَةِ بُرَيْدٍ، تَكُونُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ قِرَاءَةً.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : كَيْفَ جَازَ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ مِنْهُمْ عِبَادَ الطَّاغُوتِ؟ (قُلْتُ) :
فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خَذَلَهُمْ حَتَّى عَبَدُوهَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَوَصَفَهُمْ بِهِ كَقَوْلِهِمْ: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [2] انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الطَّاغُوتِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: الطَّوَاغِيتِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُعَيِّرُونَ الْيَهُودَ يَقُولُونَ: يَا إِخْوَةَ القردة والخنازير، فينكسون رؤوسهم.
أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَوْصُوفِينَ بِاللَّعْنَةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَانْتَصَبَ مَكَانًا عَلَى التَّمْيِيزِ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ أَنْ يُرَادَ بِالْمَكَانِ حَقِيقَةً، إِذْ هُوَ جَهَنَّمُ، وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ كِنَايَةً وَاسْتِعَارَةً لِلْمَكَانَةِ فِي قَوْلِهِ: أُولَئِكَ شَرٌّ، لِدُخُولِهِ فِي بَابِ الْكِنَايَةِ كَقَوْلِهِمْ: فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ وَهِيَ إِشَارَةٌ إِلَى الشَّيْءِ بِذِكْرِ لِوِزَامِهِ وَتَوَابِعِهِ قَبْلَ الْمَفْضُولِ، وَهُوَ مَكَانُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا شَرَّ فِي مَكَانِهِمْ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: شَرٌّ مَكَانًا عَلَى قَوْلِكُمْ وَزَعْمِكُمْ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: أَحْسَنُ مَا قِيلَ شَرٌّ مَكَانًا فِي الْآخِرَةِ مِنْ مَكَانِكُمْ فِي الدُّنْيَا، لِمَا يَلْحَقُكُمْ مِنَ الشَّرِّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَكَانُهُمْ سَقَرٌ، وَلَا مَكَانَ أَشَدُّ شَرًّا مِنْهُ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَفْضُولَ هُوَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، لِأَنَّ الْيَهُودَ جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَالرُّسُلُ وَالْمُعْجِزَاتُ مَا لَمْ يَجِئْ غَيْرُهُمْ كَثْرَةً، فَكَانُوا أَبْعَدَ نَاسٍ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَتَصْدِيقِ الرُّسُلِ وَأَوْغَلَهُمْ فِي الْعِصْيَانِ، وَكَفَرُوا بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْكُفْرِ وَالرُّسُلِ، تَنْتَابُهُمُ الْغَيْبَةُ بَعْدَ الْغَيْبَةِ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ شَرٌّ مِنَ الْكُفَّارِ.
وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ أَيْ عَنْ وَسَطِ السَّبِيلِ، وَقَصْدِهِ: أَيْ هُمْ حَائِرُونَ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى مستقيم الطريق.

(1) سورة النساء: 4/ 142.
[2] سورة الزخرف: 43/ 19.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 309
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست