responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 305
الْإِيمَانَ لِقِلَّةِ إِنْصَافِكُمْ وَفِسْقِكُمْ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ بِفِسْقِكُمْ نَقَمْتُمْ ذَلِكَ عَلَيْنَا. فَهَذِهِ سَبْعَةُ وُجُوهٍ فِي مَوْضِعِ أَنْ وَصِلَتِهَا، وَيَظْهَرُ وَجْهٌ ثَامِنٌ وَلَعَلَّهُ يَكُونُ الْأَرْجَحَ، وَذَلِكَ أَنَّ نَقَمَ أَصْلُهَا أَنْ تَتَعَدَّى بِعَلَى، تَقُولُ: نَقَمْتُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْقِمُ، ثُمَّ تُبْنَى مِنْهَا افْتَعَلَ فَتُعَدَّى إِذْ ذَاكَ بِمِنْ، وَتُضَمَّنُ مَعْنَى الْإِصَابَةِ بِالْمَكْرُوهِ.
قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ [1] وَمُنَاسَبَةُ التَّضْمِينِ فِيهَا أَنَّ مَنْ عَابَ عَلَى شَخْصٍ فِعْلَهُ فَهُوَ كَارِهٌ لَهُ لَا مَحَالَةَ وَمُصِيبُهُ عَلَيْهِ بِالْمَكْرُوهِ، وَإِنْ قُدِّرَ، فَجَاءَتْ هُنَا فَعَلَ بِمَعْنَى افْتَعَلَ لِقَوْلِهِمْ: وَقَدْ رَأَوْهُ، وَلِذَلِكَ عُدِّيَتْ بِمِنْ دُونَ الَّتِي أَصْلُهَا أَنْ يُعَدَّى بِهَا، فَصَارَ الْمَعْنَى: وَمَا تَنَالُونَ مِنَّا أَوْ وَمَا تُصِيبُونَنَا بِمَا نَكْرَهُ إِلَّا أَنْ آمَنَّا أَيْ: لِأَنْ آمَنَّا، فَيَكُونُ أَنْ آمَنَّا مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ، وَيَكُونُ وَإِنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ مَعْطُوفًا عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ، وَهَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- سَبَبُ تَعْدِيَتِهِ بِمِنْ دُونَ عَلَى، وَخُصَّ أَكْثَرَكُمْ بِالْفِسْقِ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ، أَوْ لِأَنَّ فُسَّاقَهُمْ وَهُمُ الْمُبَالِغُونَ فِي الْخُرُوجِ عَنِ الطَّاعَةِ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ تَقَرُّبًا إِلَى الْمُلُوكِ، وَطَلَبًا لِلْجَاهِ وَالرِّيَاسَةِ، فَهُمْ فُسَّاقٌ فِي دِينِهِمْ لَا عُدُولٌ، وَقَدْ يَكُونُ الْكَافِرُ عَدْلًا فِي دِينِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا فِي دِينِهِمْ، فَلِذَلِكَ حُكِمَ عَلَى أَكْثَرِهِمْ بِالْفِسْقِ.
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ الْخِطَابُ بِالْأَمْرِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَضَمَّنَ الْخِطَابُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ أُمِرَ أَنْ يُنَادِيَهُمْ أَوْ يُخَاطِبَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ ابن عطية: ويحتمل أن يَكُونَ ضَمِيرُ الْخِطَابِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُؤْمِنِينَ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ حَالِ هَؤُلَاءِ الْفَاسِقِينَ فِي وَقْتِ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ، أُولَئِكَ أَسْلَافُهُمُ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَتَكُونُ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى حَالِهِمْ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا الْإِضْمَارِ يَكُونُ قَوْلُهُ: بِشَرٍّ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ بَاقِيَةً عَلَى أَصْلِ وَضْعِهَا مِنْ كَوْنِهَا تَدُلُّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْوَصْفِ، وَزِيَادَةِ الْفَضْلِ عَلَى الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ فِي الْوَصْفِ، فَيَكُونُ ضَلَالُ أُولَئِكَ الْأَسْلَافِ وَشَرُّهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ضَلَالِ هَؤُلَاءِ الْفَاسِقِينَ، وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ خِطَابًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ، فَيَكُونُ شَرٌّ عَلَى بَابِهَا مِنَ التَّفْضِيلِ عَلَى مُعْتَقَدِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذْ قَالُوا: مَا نَعْلَمُ دِينًا شَرًّا مِنْ دِينِكُمْ. وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا ضَلَالَ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا شَرِكَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ،

[1] سورة المائدة: 5/ 95.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 305
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست