responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 299
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [1] وَجَاءَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ بِالِاسْمِ الَّذِي فِيهِ الْمُبَالَغَةُ، لِأَنَّ أَذِلَّةً جَمْعُ ذَلِيلٍ وَأَعِزَّةً جَمْعُ عَزِيزٍ، وَهُمَا صِفَتَا مُبَالَغَةٍ، وَجَاءَتِ الصِّفَةُ قَبْلَ هَذَا بِالْفِعْلِ فِي قَوْلِهِ: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [2] لِأَنَّ الِاسْمَ يَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ، فَلَمَّا كَانَتْ صِفَةَ مُبَالَغَةٍ، وَكَانَتْ لَا تَتَجَدَّدُ بَلْ هِيَ كَالْغَرِيزَةِ، جَاءَ الْوَصْفُ بِالِاسْمِ. وَلَمَّا كَانَتْ قَبْلُ تَتَجَدَّدُ، لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ أَفْعَالِ الطَّاعَةِ وَالثَّوَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا، جَاءَ الْوَصْفُ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّجَدُّدَ. وَلَمَّا كَانَ الْوَصْفُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمُؤْمِنِ أَوْكَدَ، وَلِمَوْصُوفِهِ الَّذِي قُدِّمَ عَلَى الْوَصْفِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكَافِرِ، وَلِشَرَفِ الْمُؤْمِنِ أَيْضًا. وَلَمَّا كَانَ الْوَصْفُ الَّذِي بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَرَبِّهِ أَشْرَفَ مِنَ الْوَصْفِ الَّذِي بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنِ، قُدِّمَ قَوْلُهُ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ عَلَى قَوْلِهِ: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوَصْفَ إِذَا كَانَ بِالِاسْمِ وَبِالْفِعْلِ لَا يَتَقَدَّمُ الْوَصْفُ بِالْفِعْلِ عَلَى الْوَصْفِ بِالِاسْمِ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ نَحْوَ قَوْلِهِ:
وَفَرْعٍ يُغَشِّي الْمَتْنَ أَسْوَدَ فَاحِمٍ إِذْ جَاءَ مَا ادَّعَى أَنَّهُ يَكُونُ فِي الضَّرُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقُدِّمَ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ- وَهُوَ فِعْلٌ- عَلَى قَوْلِهِ: أَذِلَّةٍ وَهُوَ اسْمٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ [3] وَقُرِئَ شَاذًّا أَذِلَّةً، وَهُوَ اسْمٌ وَكَذَا أَعِزَّةً نَصْبًا عَلَى الْحَالِ مِنَ النَّكِرَةِ إِذَا قُرِّبَتْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِوَصْفِهَا. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: غُلَظَاءَ عَلَى الْكَافِرِينَ مَكَانَ أَعِزَّةٍ.
يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ فِي نُصْرَةِ دِينِهِ. وَظَاهِرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهَا صِفَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافَ إِخْبَارٍ. وَجَوَّزَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي أَعِزَّةٍ.
وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ أَيْ هُمْ صِلَابٌ فِي دِينِهِ، لَا يُبَالُونَ بِمَنْ لَامَ فِيهِ. فَمَتَى شَرَعُوا فِي أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نهى عن منكر، أَمْضَوْهُ لَا يَمْنَعُهُمُ اعْتِرَاضُ مُعْتَرِضٍ، وَلَا قَوْلُ قَائِلٍ هَذَانِ الْوَصْفَانِ أَعْنِي: الْجِهَادَ وَالصَّلَابَةَ فِي الدِّينِ هُمَا نَتِيجَةُ الْأَوْصَافِ السَّابِقَةِ، لِأَنَّ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ لَا يَخْشَى إِلَّا إِيَّاهُ، وَمَنْ كَانَ عَزِيزًا عَلَى الْكَافِرِ جاهد فِي إِخْمَادِهِ وَاسْتِئْصَالِهِ.
وَنَاسَبَ تَقْدِيمُ الْجِهَادِ عَلَى انْتِفَاءِ الخوف من اللائمين لمحاورته أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَلِأَنَّ

[1] سورة الفتح: 48/ 29.
[2] سورة المائدة: 5/ 54.
[3] سورة الأنعام: 6/ 92.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 299
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست