responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 281
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ نَاسَبَ هُنَا ذِكْرُ الْفِسْقَ، لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: وَلْيَحْكُمْ، وَهُوَ أَمْرٌ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [1] أَيْ: خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ أَمْرِهِ تَعَالَى.
فَقَدِ اتَّضَحَ مُنَاسَبَةُ خَتْمِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى بِالْكَافِرِينَ، وَالثَّانِيَةِ بِالظَّالِمِينَ، وَالثَّالِثَةِ بِالْفَاسِقِينَ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَتَكْرِيرُ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ هُوَ عَلَى جِهَةِ التَّوْكِيدِ، وَأَصْوَبُ مَا يُقَالُ فِيهَا: إِنَّهَا تَعُمُّ كُلَّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، فَيَجِيءُ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْكَافِرِ عَلَى أَتَمِّ وُجُوهِهِ، وَفِي الْمُؤْمِنِ عَلَى مَعْنَى كُفْرِ الْمَعْصِيَةِ وَظُلْمِهَا وَفِسْقِهَا. وَقَالَ الْقَفَّالُ: هِيَ لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ كَمَا تَقُولُ: مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَهُوَ الْبَرُّ، وَمَنْ أَطَاعَ فَهُوَ الْمُؤْمِنُ، وَمَنْ أَطَاعَ فَهُوَ الْمُتَّقِي. وَقِيلَ: الْأَوَّلُ فِي الْجَاحِدِ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ فِي الْمُقِرِّ التَّارِكِ. وَقَالَ الْأَصَمُّ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فِي الْيَهُودِ، وَالثَّالِثُ فِي النَّصَارَى. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ يَعُمُّ كُلَّ كَافِرٍ وَمُؤْمِنٍ، يَكُونُ إِطْلَاقُ الْكَافِرِينَ وَالظَّالِمِينَ وَالْفَاسِقِينَ عَلَيْهِمْ لِلِاشْتِرَاكِ فِي قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ.
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ أَنْزَلَهَا عَلَيْهِ لِاشْتِرَاكِ كُلِّهِمْ فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى مُوسَى، فَتَرَكَ ذِكْرَهُ لِلْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ عِيسَى وَأَنَّهُ آتَاهُ الْإِنْجِيلَ، فَذَكَرَهُ لِيُقِرُّوا أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَنْبِيَاءِ، إِذِ الْيَهُودُ تُنْكِرُ نُبُوَّتَهُ، وَإِذَا أَنْكَرَتْهُ أَنْكَرَتْ كِتَابَهُ، فَنَصَّ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى كِتَابِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الْكِتَابَ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ مُقَرِّرًا لِنُبُوَّتِهِ وَكِتَابِهِ، لِأَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ يُنْكِرُونَ نُبُوَّتَهُ وَكِتَابَهُ. وَجَاءَ هُنَا ذِكْرُ الْمُنَزَّلِ إِلَيْهِ بِكَافِ الْخِطَابِ، لِأَنَّهُ أَنَصُّ عَلَى الْمَقْصُودِ. وَكَثِيرًا مَا جَاءَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْخِطَابِ لِأَنَّهُ لَا يُلْبِسُ الْبَتَّةَ وبالحق:
مُلْتَبِسًا بِالْحَقِّ وَمُصَاحِبًا لَهُ لَا يُفَارِقُهُ، لَمَّا كَانَ مُتَضَمِّنًا حَقَائِقَ الْأُمُورِ، فَكَأَنَّهُ نَزَلَ بِهَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَنْزَلْنَا أَيْ: أَنْزَلْنَاهُ بِأَنْ حَقَّ ذَلِكَ، لَا أَنَّهُ وَجَبَ عَلَى اللَّهِ، لَكِنَّهُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ. وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْكِتَابِ لِلْعَهْدِ وَهُوَ الْقُرْآنُ بِلَا خِلَافٍ. وَانْتُصِبَ مُصَدِّقًا عَلَى الْحَالِ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، أَيْ: لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْكِتَابِ. الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْجِنْسِ، لِأَنَّهُ عَنَى بِهِ جِنْسَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكِتَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ نَوْعٌ مَعْلُومٌ مِنْهُ، وَهُوَ مَا أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ سِوَى الْقُرْآنِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ الصِّفَةِ، وَأَنَّهَا حُذِفَتْ، وَالتَّقْدِيرُ: مِنَ الْكِتَابِ الإلهي.

[1] سورة الكهف: 18/ 50.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 281
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست