responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 175
قَالَ الْجُمْهُورُ: وَإِكْمَالُهُ هُوَ إِظْهَارُهُ، وَاسْتِيعَابُ عِظَمِ فَرَائِضِهِ، وَتَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ. قَالُوا: وَقَدْ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ كَآيَاتِ الرِّبَا، وَآيَةِ الْكَلَالَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَمُلَ مُعْظَمُ الدِّينِ، وَأَمْرُ الْحَجِّ، إِنْ حَجُّوا وَلَيْسَ مَعَهُمْ مُشْرِكٌ. وَخَطَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ:
كَفَيْتُكُمْ أَمْرَ عَدُوِّكُمْ، وَجَعَلْتُ الْيَدَ الْعُلْيَا لَكُمْ، كَمَا تَقُولُ الْمُلُوكُ: الْيَوْمَ كَمُلَ لَنَا الْمُلْكُ وَكَمُلَ لَنَا مَا نُرِيدُ إِذَا كُفُوا مَنْ يُنَازِعُهُمُ الْمُلْكَ، وَوَصَلُوا إِلَى أَغْرَاضِهِمْ وَمَبَاغِيهِمْ. أَوْ أَكْمَلْتُ لَكُمْ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ تَعْلِيمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالتَّوْقِيفِ عَلَى الشَّرَائِعِ، وَقَوَانِينِ الْقِيَاسِ، وَأُصُولِ الِاجْتِهَادِ انْتَهَى. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ: قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ قالا: إكمال فَرَائِضِهِ وَحُدُودِهِ، وَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ تَحْلِيلٌ وَلَا تَحْرِيمٌ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى:
أَكْمَلْتُ لَكُمْ شَرَائِعَ دِينِكُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ: كما له أَنْ يَنْفِيَ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْبَيْتِ، فَلَمْ يَحُجَّ مُشْرِكٌ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَمَالُ الدِّينِ هُوَ عِزُّهُ وَظُهُورُهُ، وَذُلُّ الشِّرْكِ وَدُرُوسُهُ، لَا تَكَامُلُ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ تَنْزِلُ إِلَى أَنْ قبض. وقيل: إكماله إلا من مِنْ نَسْخِهِ بَعْدَهُ كَمَا نُسِخَ بِهِ مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: الدِّينُ مَا كَانَ نَاقِصًا الْبَتَّةَ، بَلْ كَانَتِ الشَّرَائِعُ تَنْزِلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ كَافِيَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ عَالِمًا فِي أَوَّلِ الْمَبْعَثِ بِأَنَّ مَا هُوَ كَامِلٌ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَيْسَ بِكَامِلٍ فِي الْغَدِ، وَكَانَ يَنْسَخُ بَعْدَ الثُّبُوتِ وَيَزِيدُ بَعْدَ الْعَدَمِ، وَأَمَّا فِي آخِرِ زَمَانِ الْمَبْعَثِ فَأَنْزَلَ شَرِيعَةً كَامِلَةً، وَأَحْكَمَ ثَبَاتَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُبْكِيكَ؟» فَقَالَ: أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَةِ دِينِنَا، فَأَمَّا إِذَا كَمُلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ شَيْءٌ إِلَّا نَقَصَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقْتَ» .
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي أَيْ فِي ظُهُورِ الْإِسْلَامِ، وَكَمَالِ الدِّينِ، وَسِعَةِ الْأَحْوَالِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا انْتَظَمَتْهُ هَذِهِ الْمِلَّةُ الْحَنِيفِيَّةُ، إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَالْخُلُودِ، وَحَسَّنَ الْعِبَارَةَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ: بِفَتْحِ مَكَّةَ وَدُخُولِهَا آمِنِينَ ظَاهِرِينَ، وَهَدْمِ مَنَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنَاسِكِهِمْ، وَأَنْ لَمْ يَحُجَّ مُشْرِكٌ وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ انْتَهَى. فَكَلَامُهُ مَجْمُوعُ أَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جبير، وَقَتَادَةُ: إِتْمَامُ النِّعْمَةِ مَنْعُ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْحَجِّ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الْإِظْهَارُ عَلَى الْعَدُوِّ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: بِالْهِدَايَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بِإِكْمَالِ أَمْرِ الدِّينِ وَالشَّرَائِعِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا نِعْمَةَ أَتَمَّ مِنْ نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ.
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً يَعْنِي: اخْتَرْتُهُ لَكُمْ مِنْ بَيْنِ الْأَدْيَانِ، وَأَذِنْتُكُمْ بِأَنَّهُ هُوَ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 175
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست