responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 139
وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً هَذَا إِخْبَارٌ بِأَنَّ اللَّهَ شَرَّفَ مُوسَى بِكَلَامِهِ، وَأَكَّدَ بِالْمَصْدَرِ دَلَالَةً عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَا عَلَى مَجَازِهِ، هَذَا هُوَ الْغَالِبُ. وَقَدْ جَاءَ التَّأْكِيدُ بِالْمَصْدَرِ فِي الْمَجَازِ، إِلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ. فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ هِنْدَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ:
بَكَى الْخَزُّ مِنْ عَوْفٍ وَأَنْكَرَ جِلْدَهُ ... وَعَجَّتْ عَجِيجًا مِنْ جُذَامَ الْمَطَارِفُ
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لَوْلَا التَّأْكِيدُ بِالْمَصْدَرِ لَجَازَ أَنْ تَقُولَ: قَدْ كَلَّمْتُ لَكَ فُلَانًا بِمَعْنَى كَتَبْتُ إِلَيْهِ رُقْعَةً وَبَعَثْتُ إِلَيْهِ رَسُولًا، فَلَمَّا قَالَ: تَكْلِيمًا لَمْ يَكُنْ إِلَّا كَلَامًا مَسْمُوعًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمَسْأَلَةُ الْكَلَامِ مِمَّا طَالَ فِيهِ الْكَلَامُ وَاخْتَلَفَ فِيهَا عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ، وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سُمِّيَ عِلْمُ أُصُولِ الدِّينِ بِعِلْمِ الْكَلَامِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ يُبْحَثُ عَنْهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ. وَقَرَأَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ وَثَّابٍ: وَكَلَّمَ اللَّهَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ مُوسَى هُوَ الْمُكَلِّمُ. وَمِنْ بِدَعِ التَّفَاسِيرِ أَنَّهُ مِنَ الْكَلْمِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: وَجَرَحَ اللَّهُ مُوسَى بِأَظْفَارِ الْمِحَنِ وَمَخَالِبِ الْفِتَنِ. وَقَالَ كَعْبٌ: كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى بِالْأَلْسِنَةِ كُلِّهَا، فَجَعَلَ مُوسَى يَقُولُ: رَبِّ لَا أَفْهَمُ، حَتَّى كَلَّمَهُ بِلِسَانِ مُوسَى آخِرَ الْأَلْسِنَةِ.
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ أَيْ يُبَشِّرُونَ بِالْجَنَّةِ مَنْ أَطَاعَ، وَيُنْذِرُونَ بِالنَّارِ مَنْ عَصَى. وَأَرَادَ تَعَالَى أَنْ يَقْطَعَ بِالرُّسُلِ احْتِجَاجَ مَنْ يَقُولُ: لَوْ بعث إلي رسول لآمنت.
وَفِي الْحَدِيثِ: «وَلَيْسَ أَحَدٌ أحب إليه العذر من اللَّهِ»
فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكُتُبَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : كَيْفَ يَكُونُ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ قَبْلَ الرُّسُلِ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِمَا نَصَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي النَّظَرُ فِيهَا مُوصِلٌ إِلَى الْمَعْرِفَةِ، وَالرُّسُلُ فِي أَنْفُسِهِمْ لَمْ يَتَوَصَّلُوا إِلَى الْمَعْرِفَةِ إِلَّا بِالنَّظَرِ فِي تِلْكَ الْأَدِلَّةِ، وَلَا عَرَفُوا أَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ إِلَّا بِالنَّظَرِ فِيهَا؟ (قُلْتُ) : الرُّسُلُ مَنْهِيُّونَ عَنِ الْغَفْلَةِ، وَبَاعِثُونَ عَلَى النَّظَرِ كَمَا تَرَى عُلَمَاءَ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ، مَعَ تَبْلِيغِ مَا حَمَلُوهُ مِنْ تَفْصِيلِ أُمُورِ الدِّينِ، وَبَيَانِ أَحْوَالِ التَّكْلِيفِ وَتَعَلُّمِ الشَّرَائِعِ، فَكَانَ إِرْسَالُهُمْ إِزَاحَةً لِلْعِلَّةِ وَتَتْمِيمًا لِإِلْزَامِ الْحُجَّةِ لِئَلَّا يَقُولُوا: لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَيُوقِظُنَا مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ وَيُنَبِّهُنَا لَمَا وَجَبَ الِانْتِبَاهُ لَهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: لِئَلَّا هُوَ كَالتَّعْلِيلِ لِحَالَتَيِ: التَّبْشِيرِ وَالْإِنْذَارِ. وَالتَّبْشِيرُ هُوَ بِالْجَنَّةِ، وَالْإِنْذَارُ هُوَ بِالنَّارِ. وَلَيْسَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ حَاكِمًا بِوُجُوبِهِمَا الْعَقْلُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَوِّزٌ لَهُمَا، وَجَاءَ السَّمْعُ فَصَارَا وَاجِبًا وُقُوعُهُمَا، وَلَمْ يُسْتَفَدْ وُجُوبُهُمَا إِلَّا مِنَ الْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ. فَلَوْ لَمْ يُبَشِّرِ الرُّسُلُ بِالْجَنَّةِ لِمَنِ امْتَثَلَ التَّكَالِيفَ الشَّرْعِيَّةَ، وَلَمْ يُنْذِرُوا بِالنَّارِ مَنْ لَمْ يَمْتَثِلْ، وَكَانَتْ تَقَعُ الْمُخَالَفَةُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا الْعِقَابُ بِمَا لَا شُعُورَ لِلْمُكَلَّفِ بِهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَبْعَثُ إِلَيْهِ مَنْ يُعْلِمُهُ بِأَنَّ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 139
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست