responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 710
صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ، فَعَاقِبَتُهُ إِلَى قَلٍّ. وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مِحَاقَهُ إِبْطَالُ مَا يَكُونُ مِنْهُ مِنْ صَدَقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَجِهَادٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ قِيلَ: الْإِرْبَاءُ حَقِيقَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَزِيدُهَا وَيُنَمِّيهَا فِي الدُّنْيَا بِالْبَرَكَةِ، وَكَثْرَةِ الْأَرْبَاحِ فِي الْمَالِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ، وَقِيلَ: الزِّيَادَةُ مَعْنَوِيَّةٌ، وَهِيَ تَضَاعُفُ الْحَسَنَاتِ وَالْأُجُورِ الْحَاصِلَةِ بِالصَّدَقَةِ، كَمَا جَاءَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ.
وَقَرَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ،
وَرُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُمَحِّقُ وَيُرَبِّي، مِنْ: مَحَقَ وَرَبَّى مُشَدَّدًا.
وَفِي ذِكْرِ الْمَحْقِ وَالْإِرْبَاءِ بَدِيعُ الطِّبَاقِ، وَفِي ذِكْرِ الرِّبَا وَيُرَبَّى بَدِيعُ التَّجْنِيسِ الْمُغَايِرِ.
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ فِيهِ تَغْلِيظُ أَمْرِ الرِّبَا وَإِيذَانٌ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْكُفَّارِ لَا مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَأَتَى بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَافِرِ وَالْآثِمِ، وَإِنْ كَانَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْكَافِرَ، تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِ أَمْرِ الرِّبَا وَمُخَالَفَةِ اللَّهِ وَقَوْلِهِمْ: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ، وَيُسَوِّي بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا لِيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى أَكْلِ الرِّبَا إِلَّا مُبَالِغٌ فِي الْكُفْرِ، مَبَالِغٌ فِي الْإِثْمِ.
وَذَكَرَ الْأَثِيمَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّوْكِيدِ مِنْ حَيْثُ اخْتَلَفَ اللَّفْظَانِ. وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: ذَكَرَ الْأَثِيمَ لِيَزُولَ الِاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي: كَفَّارٍ، إِذْ يَقَعُ عَلَى الزَّارِعِ الَّذِي يَسْتُرُ الْأَرْضَ. انْتَهَى.
وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ، إذ إِطْلَاقُ الْقُرْآنِ الْكَافِرَ، وَالْكَافِرُونَ، وَالْكَفَّارَ، إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَأَمَّا إِطْلَاقُهُ عَلَى الزَّارِعِ فَبِقَرِينَةٍ لَفْظِيَّةٍ، كَقَوْلِهِ: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ [1] .
وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ مُحْسِنًا صَالِحًا، بَلْ يُرِيدُهُ مُسِيئًا فَاجِرًا، وَيَحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ تَوْفِيقَ الْكُفَّارِ الْأَثِيمِ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذِهِ تَأْوِيلَاتٌ مُسْتَكْرَهَةٌ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَفْرَطَ فِي تَعْدِيَةِ الْفِعْلِ، وَحَمَّلَهُ مِنَ الْمَعْنَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَغَيْرُ صَحِيحِ الْمَعْنَى، بَلِ اللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ التَّوْفِيقَ عَلَى الْعُمُومِ وَيُحَبِّبُهُ، وَالْمُحِبُّ فِي الشَّاهِدِ يَكُونُ مِنْهُ مَيْلٌ إِلَى الْمَحْبُوبِ، وَلُطْفٌ بِهِ، وَحِرْصٌ عَلَى حِفْظِهِ وَتَظْهَرُ دَلَائِلُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ وُجُودَ ظُهُورِ الْكَافِرِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ مَزِيَّةُ الْحُبِّ بِأَفْعَالٍ تَظْهَرُ عَلَيْهِ، نَحْوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّاهِدِ، وَتِلْكَ الْمَزِيَّةُ مَوْجُودَةٌ لِلْمُؤْمِنِ. انتهى كلامه.

[1] سورة الحديد: 57/ 20.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 710
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست