responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 694
عَلَيْكَ هُدَى مَنْ خَالَفَكَ حَتَّى تَمْنَعَهُ الصَّدَقَةَ لِأَجْلِ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَتَصَدَّقْ عَلَيْهِمْ لِوَجْهِ اللَّهِ، هُدَاهُمْ لَيْسَ إِلَيْكَ. وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا الْهُدَى لَيْسَ مُقَابِلًا لِلضَّلَالِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْكُفْرُ، فَقَالَ: لَا يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَجْعَلَهُمْ مَهْدِيِّينَ إِلَى الِانْتِهَاءِ عَمَّا نُهُوا عَنْهُ مِنَ الْمَنِّ وَالْأَذَى وَالْإِنْفَاقِ مِنَ الْخَبِيثِ وَغَيْرِهِ، وَمَا عَلَيْكَ إِلَّا أَنْ تُبَلِّغَهُمُ النَّوَاهِيَ فَحَسْبُ، وَيُبْعِدُ مَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قوله: وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ هُدَى الْإِيمَانِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلُهُ: وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ تَلَطُفٌ بِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ اللُّطْفَ يَنْفَعُ فِيهِ، فَيَنْتَهِي عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ. انْتَهَى. فَلَمْ يَحْمِلِ الْهُدَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْإِيمَانِ الْمُقَابِلِ لِلضَّلَالِ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى هُدًى خَاصٍّ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، كَمَا قُلْنَا. وَقِيلَ: الْهِدَايَةُ هُنَا الْغِنَى أَيْ: لَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ تُغْنِيَهُمْ، وَإِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تُوَاسِيَهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يُغْنِي مَنْ يَشَاءُ.
وَتَسْمِيَةُ الْغِنَى: هِدَايَةٌ، عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ: رَشَدْتُ وَاهْتَدَيْتُ، لِمَنْ ظَفِرَ، وَغَوَيْتُ لِمَنْ خَابَ وَخَسِرَ وَعَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ ... وَمَنْ يَغْوِ لَا يَعْدَمُ عَلَى الْغَيِّ لَائِمًا
وَتَفْسِيرُ الْهُدَى بِالْغِنَى أَبْعَدُ مِنْ تَفْسِيرِ الزَّمَخْشَرِيِّ، وَفِي قَوْلِهِ: هُدَاهُمْ، طِبَاقٌ مَعْنَوِيٌّ، إِذِ الْمَعْنَى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَى الضَّالِّينَ، وَظَاهِرُ الْخِطَابِ فِي: لَيْسَ عَلَيْكَ، أَنَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي ذَلِكَ تَسْلِيَةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
وَمُنَاسَبَةُ تَعَلُّقِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى قَوْلَهُ: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ الْآيَةَ اقْتَضَى أَنْهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ، فَانْقَسَمَ النَّاسُ مِنْ مَفْهُومِ هَذَا إِلَى قِسْمَيْنِ: مَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَعْمَلُ بِهَا، وَمَنْ لَمْ يُؤْتِهِ إِيَّاهَا فَهُوَ يَخْبِطُ عَشْوَاءً فِي الضَّلَالِ. فَنَبَّهَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ، بَلِ الْهِدَايَةُ وَإِيتَاءُ الْحِكْمَةِ إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، لِيَتَسَلَّى بِذَلِكَ فِي كَوْنِ هَذَا الْقِسْمِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَلِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُهْتَدِينَ، تَجُوزُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ هُوَ لَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ تُلْجِئَهُمْ إِلَى الْهُدَى بِوَاسِطَةِ أَنْ تَقِفَ صَدَقَتَكَ عَلَى إِيمَانِهِمْ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِيمَانِ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، بَلِ الْمَطْلُوبُ مِنْهُمُ الْإِيمَانُ عَلَى سَبِيلِ الطَّوْعِ وَالِاخْتِيَارِ.
وَفِي قَوْلِهِ: وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ، وَتَجْنِيسٌ مُغَايِرٌ إِذْ: هُدَاهُمُ اسْمٌ، وَيَهْدِي فِعْلٌ.
وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ أَيْ: فَهُوَ لِأَنْفُسِكُمْ، لَا يَعُودُ نَفْعُهُ وَلَا جَدْوَاهُ إِلَّا

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 694
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست