responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 664
لَكَانَتِ الصَّدَقَةُ مُرَتَّبًا عَلَيْهَا حُصُولُ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ. قِيلَ: والحمل عى هَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى، لِأَنَّ التُّرَابَ إِذَا وَقَعَ عَلَى الصَّفْوَانِ لَمْ يَكُنْ مُلْتَصِقًا بِهِ، وَلَا غَائِصًا فِيهِ، فَهُوَ فِي مَرْأَى الْعَيْنِ مُتَّصِلٌ، وَفِي الْحَقِيقَةِ مُنْفَصِلٌ. فَكَذَا الْإِنْفَاقُ الْمَقْرُونُ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى، يُرَى فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ عَمَلُ بِرٍّ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَا تُبْطِلُوا أُجُورَ صَدَقَاتِكُمْ، أَوْ: لَا تُبْطِلُوا أَصْلَ صَدَقَاتِكُمْ.
وَقَرَأَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيُّ: صَفَوَانَ بِفَتْحِ الْفَاءِ، قِيلَ: وَهُوَ شَاذٌّ فِي الْأَسْمَاعِ.
إِنَّمَا بَابُهُ الْمَصَادِرُ: كالغليان والتروان، وَفِي الصِّفَاتِ نَحْوُ: رَجُلٍ صيمان، وَتَيْسٍ عُدْوَانَ.
وَارْتَفَعَ تُرَابٌ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، أَيِ: اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ تُرَابٌ، فَأَصَابَهُ وَابِلٌ. وَ: فَأَصَابَهُ، مَعْطُوفٌ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ الرَّافِعِ لِلتُّرَابِ، وَالضَّمِيرُ فِي: فَأَصَابَهُ، عَائِدٌ عَلَى الصَّفْوَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى التُّرَابِ، وَفِي: فَتَرَكَهُ، عَائِدٌ عَلَى الصَّفْوَانِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ جُعِلَ فِيهَا الْعَمَلُ الظَّاهِرُ: كَالتُّرَابِ، وَالْمَانُّ الْمُؤْذِي، أَوِ الْمُنَافِقُ كَالصَّفْوَانِ، وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ كَالْوَابِلِ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ: الْمَنُّ وَالْأَذَى كَالْوَابِلِ.
وَقَالَ الْقَفَّالُ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ ذَخَائِرُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ عَمِلَ بِإِخْلَاصٍ فَكَأَنَّهُ طَرَحَ بَذْرًا فِي أَرْضٍ طَيِّبَةٍ، فَهُوَ يَتَضَاعَفُ لَهُ وَيَنْمُو، أَلَا تَرَى أَنَّهُ ضَرَبَ الْمَثَلَ فِي ذَلِكَ بِجَنَّةٍ فَوْقَ رَبْوَةٍ؟ فَهُوَ يَجِدُهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَانُّ وَالْمُؤْذِي وَالْمُنَافِقُ، فَكَمَنَ بَذَرَ فِي الصَّفْوَانِ لَا يَقْبَلُ بَذْرًا وَلَا يَنْمُو فِيهِ شَيْءٌ، عَلَيْهِ غُبَارٌ قَلِيلٌ أَصَابَهُ جُودٌ فَبَقِيَ مُسْتَوْدَعَ بَذْرٍ خَالِيًا، فَعِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الزَّرْعِ لَا يَجِدُ فِيهِ شَيْئًا. انْتَهَى مَا لُخِّصَ مِنْ كَلَامِهِ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ التَّشْبِيهَ انْطَوَى مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَلَى بَذْرٍ وَزَرْعٍ.
لَا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا اخْتُلِفَ فِي الضَّمِيرِ فِي: يَقْدِرُونَ، فَقِيلَ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوْلِهِ: لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ، إِذْ هُوَ رُجُوعٌ مِنْ خِطَابٍ إِلَى غَيْبَةٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى الِانْتِفَاعِ بِشَيْءٍ مِمَّا كَسَبْتُمْ، وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ. وَقِيلَ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى كَالَّذِي يُنْفِقُ لِأَنَّ: كَالَّذِي جِنْسٌ، فَلَكَ أَنْ تُرَاعِيَ لَفْظَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ فَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ، وَلَكَ أَنْ تُرَاعِيَ الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَاهُ جَمْعٌ، وَصَارَ هَذَا كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ [1] ثُمَّ قَالَ: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ «2» .

(1- 2) سورة الْبَقَرَةِ: 2/ 17.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 664
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست