responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 659
فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ يَتْبَعُهَا مَا يُبْطِلُهَا، وَهُوَ الْمَنُّ وَالْأَذَى، وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا، فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ، أَعْنِي: قَبُولَهَا عَلَى شَرِيطَةٍ، وَهُوَ أَنْ لَا يُتْبِعَهَا مَنًّا وَلَا أَذًى.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنَّ وَالْأَذَى يَكُونَانِ مِنَ الْمُنْفِقِ عَلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْإِنْفَاقُ فِي الْجِهَادِ عَلَى سَبِيلِ التَّجْهِيزِ أَوِ الْإِعَانَةِ فِيهِ، أَمْ كَانَ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ.
وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُنْفِقُ مُجَاهِدًا أَمْ غَيْرَ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ فِي الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ إِلَى الْجِهَادِ، بَلْ يُنْفِقُونَ وَهُمْ قُعُودٌ. وَالْآيَةُ قَبْلَهَا فِي الَّذِينَ يَخْرُجُونَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلِذَلِكَ شَرَطَ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَمْ يَشْرُطْ عَلَى الْأَوَّلِينَ.
وَالْأَذَى يَشْمَلُ الْمَنَّ وَغَيْرَهُ، وَنُصَّ عَلَى الْمَنِّ وَقُدِّمَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ مِنَ الْمُتَصَدِّقِ، فَمِنَ الْمَنِّ أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ وَنَعَشْتُكَ، وَشِبْهُهُ. أَوْ يَتَحَدَّثُ بِمَا أَعْطَى، فَيَبَلُغُ ذَلِكَ الْمُعْطَى، فَيُؤْذِيهِ. وَمِنَ الْأَذَى أَنْ يَسُبَّ الْمُعْطَى، أَوْ يَشْتَكِيَ مِنْهُ، أَوْ يَقُولَ: مَا أَشَدَّ إلحاحك، و: خلصنا الله منك، و: أنت أَبَدًا تَجِيئُنِي، أَوْ يُكَلِّفُهُ الْاعْتِرَافَ بِمَا أَسْدَى إِلَيْهِ.
وَقِيلَ: الْأَذَى أَنْ يَذْكُرَ إِنْفَاقَهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ لَا يُحِبُّ وُقُوفَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: إِنْ ظَنَنْتَ أَنَّ سَلَامَكَ يَثْقُلُ عَلَى مَنْ أَنْفَقْتَ عَلَيْهِ، تُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ، فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ لَهُ:
امْرَأَةٌ يَا أَبَا أُسَامَةَ؟ دُلَّنِي عَلَى رَجُلٍ يُخْرِجُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقًّا، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يُخْرِجُونَ الْفَوَاكِهَ، فَإِنَّ عِنْدِي أَسْهُمًا وَجِيعَةً. فَقَالَ لَهَا: لَا بَارَكَ اللَّهُ فِي أَسْهُمِكِ وَجِيعَتِكِ، فَقَدْ آذَيْتِهِمْ قَبْلَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ.
لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فأغنى عن إعادته.
والَّذِينَ يُنْفِقُونَ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: لَهُمْ أَجْرُهُمْ خَبَرٌ، وَلَمْ يُضَمَّنِ الْمُبْتَدَأُ مَعْنَى اسْمِ الشَّرْطِ، فَلَمْ تَدْخُلِ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ، وَكَانَ عَدَمُ التَّضْمِينِ هُنَا لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُفَسِّرَةٌ لِلْجُمْلَةِ قَبْلَهَا، وَالْجُمْلَةُ الَّتِي قَبْلَهَا أُخْرِجَتْ مَخْرَجَ الشَّيْءِ الثَّابِتِ الْمَفْرُوغِ مِنْهُ، وَهُوَ نِسْبَةُ إِنْفَاقِهِمْ بِالْحَبَّةِ الْمَوْصُوفَةِ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ حُصُولِ الْأَجْرِ الْكَثِيرِ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ، كَذَلِكَ أُخْرِجَ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ فِيهِمَا مُخْرَجَ الشَّيْءِ الثَّابِتِ الْمُسْتَقِرِّ الَّذِي لَا يَكَادُ خَبَرُهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَعْلِيقِ اسْتِحْقَاقٍ بِوُقُوعِ مَا قَبْلَهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا دَخَلَتِ الْفَاءُ فَإِنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِتَرَتُّبِ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، وَاسْتِحْقَاقِهِ بِهِ.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 659
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست