responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 434
أَنْ يُجِيبَهُ إِذَا دَعَاهُ لِمَا هُوَ مِنْ هَوَاهُ، وهم كانوا قريبين عَهْدٍ بِالْإِيمَانِ وَحَدِيثِهِ، فَمُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ سَدًّا لِلتَّطَرُّقِ إِلَى النَّارِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ، فَهُوَ النَّاظِرُ بِالْمَصْلَحَةِ لَكُمْ فِي تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ وَإِبَاحَةِ مَا أَبَاحَ، وَهُوَ يُبَيِّنُ آيَاتِهِ وَيُوَضِّحُهَا بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ مَعَهَا لَبْسٌ، وَذَلِكَ لِرَجَاءِ تَذَكُّرِكُمْ وَاتِّعَاظِكُمْ بِالْآيَاتِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى تَحْرِيمَ نكاح من قام به وَصْفُ الْإِشْرَاكِ، ذَكَرَ تَحْرِيمَ وَطْءِ مَنْ قَامَ بِهِ فِي الْحَيْضِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، وَغَيَّا ذَلِكَ بِالطُّهْرِ كَمَا غَيَّا مَا قَبْلَهُ بِالْإِيمَانِ، ثم أباح إذا تطهرن لَنَا الْوَطْءَ لَهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي كَانَ مَشْغُولًا بِالْحَيْضِ، وَأَمَرَنَا بِاجْتِنَابِ وَطْئِهِ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى مَزِيَّةِ التَّائِبِ وَالْمُتَطَهِّرِ بِكَوْنِهِ تَعَالَى يُحِبُّهُ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى كَرَّرَ ذَلِكَ فِي جُمْلَتَيْنِ وَأَفْرَدَ كُلَّ وَصْفٍ بِمَحَبَّةٍ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى إِبَاحَةَ الْوَطْءِ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي ارْتَفَعَ عَنْهَا الْحَيْضُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي يَشَاؤُهَا الزَّوْجُ وَيَخْتَارُهَا، مِنْ كَوْنِهَا مُقْبِلَةً أَوْ مُدْبِرَةً، أَوْ مُجَنِّبَةً أَوْ مُضْطَجِعَةً، وَمِنْ أَيِّ شِقٍّ شَاءَ، لِمَا فِي التَّنَقُّلِ مِنْ مَزِيدِ الِالْتِذَاذِ، وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالنَّظَرِ إِلَى سائر بدنها، والهيآت الْمُحَرِّكَةِ لِلْبَاهِ.
وَنَبَّهَ بِالْحَرْثِ عَلَى أَنَّهُ مَحَلُّ النَّسْلِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ النَّسْلِ، وَإِذَا كَانُوا قَدْ مُنِعُوا مِنْ وَطْءِ الْحَائِضِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مَحَلُّ الْوَطْءِ مِنَ الْأَذَى بِدَمِ الْحَيْضِ، فَلَأَنْ يُمْنَعُوا مِنَ الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ أَذًى أَوْلَى وَأَحْرَى، وَلَمَّا كَانَ قُدِّمَ نَهْيٌ وَأَمْرٌ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَفِي هَذَا، خُتِمَ ذَلِكَ بِالْأَمْرِ بِتَقْدِيمِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَنَّ مَا قَدَّمَهُ الْإِنْسَانُ إِنَّمَا هُوَ عَائِدٌ عَلَى نَفْعِ نَفْسِهِ، ثُمَّ أمر بتقوى الله تعالى، وَأُمِرَ بِأَنْ يَعْلَمَ وَيُوقِنَ الْيَقِينَ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّا مُلَاقُو اللَّهِ، فَيُجَازِينَا عَلَى أَعْمَالِنَا، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ امْتَثَلُوا مَا أَمَرَ بِهِ وَاجْتَنَبُوا مَا نَهَى عَنْهُ، فَكَانَ ابْتِدَاءُ هَذِهِ الْآيَاتِ بِالتَّحْذِيرِ عَنْ مُعَاطَاةِ الْعِصْيَانِ، وَاخْتِتَامِهَا بِالتَّبْشِيرِ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ آيَاتٍ تَعْجَزُ عَنْ وَصْفِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْبَدَائِعُ الْأَلْسُنُ، وَيُذْعِنُ لِفَصَاحَتِهَا الْجِهْبِذُ اللَّسِنُ، جَمَعَتْ بَيْنَ بَرَاعَةِ اللَّفْظِ وَنَصَاعَةِ الْمَعْنَى، وَتَعَلُّقِ الْجُمَلِ وَتَأَنُّقِ الْمَبْنَى، مِنْ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ، وَتَحْذِيرٍ مِنْ عِقَابٍ، وَتَرْغِيبٍ فِي ثَوَابٍ، هَدَتْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَتُلُقِّيَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 434
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست