responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 39
حَالَةِ السَّفَرِ، وَالْأُولَى فِي حَالَةِ الْإِقَامَةِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ: وَمِنْ حَيْثُ بِالْفَتْحِ، فَتَحَ تَخْفِيفًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي حَيْثُ فِي قَوْلِهِ: حَيْثُ شِئْتُما.
وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ: هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ اسْتِقْبَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةِ هُوَ الْحَقُّ، أَيِ الثَّابِتِ الَّذِي لَا يَعْرِضُ لَهُ نَسْخٌ وَلَا تَبْدِيلٌ. وَفِي الْأَوَّلِ قَالَ: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، حَيْثُ كَانَ الْكَلَامُ مَعَ سُفَهَائِهِمُ الَّذِينَ اعْتَرَضُوا فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا: أَنَّ علماءهم يَعْلَمُونَ أَنَّ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَخَتَمَ آخَرَ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا خَتَمَ بِهِ آخِرَ تِلْكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فِي امْتِثَالِ هَذَا التَّكْلِيفِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ التَّحْوِيلُ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ، وَذَلِكَ هُوَ مَحْضُ التَّعَبُّدِ.
فَالْجِهَاتُ كُلُّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَارِئِ تَعَالَى مُسْتَوِيَةٌ، فَكَوْنُهُ خَصَّ بِاسْتِقْبَالِ هَذِهِ زَمَانًا، وَنَسَخَ ذَلِكَ بِاسْتِقْبَالِ جِهَةٍ أُخْرَى مُتَأَبِّدَةٍ، لَا يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ فِي بَادِي الرَّأْيِ إِلَّا أَنَّهُ تَعَبُّدٌ مَحْضٌ. فَلَمْ يَبْقَ فِي ذَلِكَ إِلَّا امْتِثَالُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَغْفُلُ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، بَلْ هُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَيْهَا، الْمُجَازِي بِالثَّوَابِ مَنِ امْتَثَلَ أَمْرَهُ، وَبِالْعِقَابِ مَنْ خَالَفَهُ. وَجَاءَ فِي قَوْلِهِ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فِي الْمَكَانَيْنِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَمَا اللَّهُ فِي الْمَكَانَيْنِ، فَحَيْثُ نَبَّهَ عَلَى اسْتِدْلَالِ حِكْمَتِهِ بِالنَّظَرِ إِلَى أَفْعَالِهِ، ذَكَرَ الرَّبَّ الْمُقْتَضِي لِلنِّعَمِ، لِنَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى الْمُنْعِمِ، وَنَسْتَدِلَّ بِهَا عَلَيْهِ، وَلَمَّا انْتَهَى إِلَى ذِكْرِ الْوَعِيدِ، ذَكَرَ لَفْظَ اللَّهِ الْمُقْتَضِي لِلْعِبَادَةِ الَّتِي مَنْ أَخَلَّ بِهَا اسْتَحَقَّ أَلِيمَ الْعَذَابِ.
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ: ظَاهِرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهَا كُرِّرَتْ تَوْكِيدًا لِمَا قَبْلَهَا فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلِيهَا فَقَطْ، لَا أَنَّ ذَلِكَ تَوْكِيدٌ لِلْآيَةِ الْأُولَى، لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الأولى فِي الْإِقَامَةِ، وَالثَّانِيَةَ فِي السَّفَرِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَهِيَ فِي السَّفَرِ، فَهِيَ تَأْكِيدٌ لِلثَّانِيَةِ. وَحِكْمَةُ هَذَا التَّأْكِيدِ تَثْبِيتُ هَذَا الْحُكْمِ، وَتَقْرِيرُ نَسْخِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لِأَنَّ النَّسْخَ هُوَ مِنْ مَظَانِّ الْفِتْنَةِ وَالشُّبْهَةِ وَتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ لِلطَّعْنِ فِي تَبْدِيلِ قِبْلَةٍ بِقِبْلَةٍ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ صَعْبًا عَلَيْهِمْ، فَأَكَّدَ بِذَلِكَ أَمْرَ النَّسْخِ وَثَبَّتَ. وَكَانَ التَّأْكِيدُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ بِتَكْرِيرِ هَذِهِ الْجُمَلِ مَرَّتَيْنِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَرُ الْمَعْهُودُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، وَهُوَ أَنْ تُعَادَ الْجُمْلَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ: كُرِّرَتْ هَذِهِ الْأَوَامِرُ، لِأَنَّهُ لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ كُلُّ أَحَدٍ، فَكَانَ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ مَا لَيْسَ عِنْدَ بَعْضٍ لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ. وَهَذَا الْمَعْنَى فِي التَّكْرِيرِ يُرْوَى عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى وقع التَّكْرِيرُ فِي الْقِصَصِ. وَقِيلَ: لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ أَوَّلَ الْوَقَائِعِ الَّتِي ظَهَرَ النَّسْخُ فِيهَا فِي شَرْعِنَا، كُرِّرَتْ لِلتَّأْكِيدِ وَالتَّقْرِيرِ وَإِزَالَةِ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 39
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست