responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 323
عَطَاءٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُمْ تَعَالَى بِالذِّكْرِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ، وَهَذِهِ الْأَيَّامُ قَدْ فُسِّرَتْ بِمَا أَقَلُّهُ جَمْعٌ وَهِيَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، أَوْ بِأَرْبَعَةٍ، أَوْ بِالْعَشْرِ، ثُمَّ أُبِيحَ لَهُمُ النَّفْرُ فِي ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَكَانَ يَقْتَضِي الْأَمْرُ بِالذِّكْرِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَنْ لَا تَعْجِيلَ، فَنَفَى بِقَوْلِهِ: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ الْحَرَجَ عَنْ مَنْ خُفِّفَ عَنْهُ الْمُقَامُ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَيَنْفِرُ فِيهِ، وَسَوَّى بَيْنَهُ فِي الْإِبَاحَةِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ، وَبَيْنَ مَنْ تَأَخَّرَ فَعَمَّ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ بِالذِّكْرِ، وَهَذَا التَّقْسِيمُ يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّعْجِيلِ وَالتَّأَخُّرِ، وَالتَّخْيِيرُ قَدْ يُتَّبَعُ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ، فَقِيلَ: جَاءَ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، لِأَجْلِ مُقَابَلَةِ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، فَنَفَى الْإِثْمَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ لِذَلِكَ، وَقِيلَ: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الرُّخْصَةِ.
وَقِيلَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَرِيقَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يُؤَثِّمُ الْمُتَعَجِّلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَثِّمُ الْمُتَأَخِّرَ، فَجَاءَ الْقُرْآنُ بِرَفْعِ الْإِثْمِ عَنْهُمَا،
وَقِيلَ: إِنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ عَنِ الْمَغْفِرَةِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ
وَمَنْ مَعَهُ. وَهَذَا أَمْرٌ اشْتَرَكَ فِيهِ الْمُتَعَجِّلُ وَالْمُتَأَخِّرُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنِ الثَّالِثِ إِلَى الرَّابِعِ وَلَمْ يَنْفِرْ مَعَ عَامَّةِ النَّاسِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ، فَمَنْ نَقَصَ عَنْهَا فَتَعَجَّلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْهَا فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ زَادَ عَلَيْهَا فَتَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.
وَفِي هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ الشَّرْطِيَّتَيْنِ مِنْ عِلْمِ الْبَدِيعِ الطِّبَاقُ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ تَعَجَّلَ، وَمَنْ تَأَخَّرَ، وَالطِّبَاقُ ذِكْرُ الشَّيْءِ وَضِدِّهِ، كَقَوْلِهِ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى [1] وَهُوَ هُنَا طِبَاقٌ غَرِيبٌ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ تَعَجَّلَ مُطَابِقَ تَأَخَّرَ، وَفِي الْحَقِيقَةِ مُطَابِقُ تَعَجَّلَ تَأَنَّى، وَمُطَابِقُ تَأَخَّرَ تَقَدَّمَ، فَعَبَّرَ فِي تَعَجَّلَ بِالْمَلْزُومِ عَنِ اللَّازِمِ، وَعَبَّرَ فِي تَأَخَّرَ بِاللَّازِمِ عَنِ الْمَلْزُومِ.
وَفِيهَا مِنْ عِلْمِ الْبَيَانِ الْمُقَابَلَةُ اللَّفْظِيَّةُ، إِذِ الْمُتَأَخِّرُ أَتَى بِزِيَادَةٍ فِي الْعِبَادَةِ، فَلَهُ زِيَادَةٌ فِي الْأَجْرِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِقَوْلِهِ: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ [2] وَتَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا لِمَنِ اتَّقى قِيلَ: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ، أَيِ الذِّكْرُ لِمَنِ اتَّقَى، وَقِيلَ: بِانْتِفَاءِ الْإِثْمِ أَيْ: يُغْفَرُ لَهُ بِشَرْطِ اتِّقَائِهِ اللَّهَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى ذَلِكَ التَّخْيِيرُ وَنَفْيُ الْإِثْمِ عَنِ الْمُتَعَجِّلِ وَالْمُتَأَخِّرِ لِأَجْلِ الْحَاجِّ الْمُتَّقِي، لِئَلَّا يَخْتَلِجَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا، فَيَحْسَبُ أَنَّ أَحَدَهُمَا تَرْهَقُ صَاحِبَهُ آثَامٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَا التَّقْوَى حَذِرٌ مُتَحَرِّزٌ مِنْ كُلِّ مَا يَرِيبُهُ، وَلِأَنَّهُ هُوَ الْحَاجُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ ذَلِكَ الذي مرّ

[1] سورة النجم: 53/ 43.
[2] سورة البقرة: 2/ 194.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 323
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست