responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 309
ذِكْرٌ بِأَنْ يَنْصِبَهُ عَلَى مَحَلِّ الْكَافِ، أَوْ يَجُرَّهُ عَطْفًا عَلَى ذِكْرِ الْمَجْرُورِ بِالْكَافِ، أَوِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ فِي الْمَعْنَى لِلذِّكْرِ بِأَنْ يَنْصِبَهُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ: كُونُوا أَشَدَّ، أَوْ لِلذَّاكِرِ الذِّكْرَ، وَبِأَنْ يَنْصِبَهُ عَطْفًا عَلَى: آبَاءَكُمْ، أَوْ لِلذِّكْرِ الْفَاعِلِ بِأَنْ يَجُرَّهُ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ الذِّكْرُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ مِنَ الضَّعْفِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّهَ الْقُرْآنُ عَنْهَا.
فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا قَالُوا: بَيَّنَ تَعَالَى حَالَ الذَّاكِرِينَ لَهُ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، وَحَالَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ، وَعِلْمَهُمْ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا تَقْسِيمٌ لِلْمَأْمُورِينَ بِالذِّكْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْمَنَاسِكِ، وَأَنَّهُمْ يَنْقَسِمُونَ فِي السُّؤَالِ إِلَى مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ حُبُّ الدُّنْيَا، فَلَا يَدْعُو إِلَّا بِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو بِصَلَاحِ حَالِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنَّ هَذَا مِنَ الِالْتِفَاتِ. وَلَوْ جَاءَ عَلَى الْخِطَابِ لَكَانَ: فَمِنْكُمْ مَنْ يَقُولُ: وَمِنْكُمْ.
وَحِكْمَةُ هَذَا الِالْتِفَاتِ أَنَّهُمْ مَا وَجَّهُوا بِهَذَا الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْلُكَهُ عَاقِلٌ، وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الدُّنْيَا، فَأُبْرِزُوا فِي صُورَةِ أَنَّهُمْ غَيْرُ الْمُخَاطَبِينَ بِذِكْرِ اللَّهِ بِأَنْ جُعِلُوا فِي صُورَةِ الْغَائِبِينَ، وَهَذَا مِنَ التَّقْسِيمِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ ضُرُوبِ الْبَيَانِ، وَهُوَ تَقْسِيمٌ بَدِيعٌ يَحْصُرُهُ الْمُقَسِّمُ إِلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ، لَا عَلَى مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الصُّوفِيَّةَ مِنْ أَنَّ ثَمَّ قِسْمًا ثَالِثًا لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ تَعَالَى، قَالُوا: وَهُمُ الرَّاضُونَ بِقَضَائِهِ، الْمُسْتَسْلِمُونَ لِأَمْرِهِ، السَّاكِتُونَ عَنْ كُلِّ دُعَاءٍ، وَافْتِشَاءٍ، وَمَفْعُولُ آتِنَا الثَّانِي مَحْذُوفٌ، تقديره: ما تريد، أَوْ: مَطْلُوبَنَا، أَوْ مَا أَشْبَهَ.
هَذَا وَجَعْلُ فِي زَائِدَةً، وَتَكُونُ الدُّنْيَا الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ قَوْلٌ سَاقِطٌ، وَكَذَلِكَ جَعْلُ فِي بِمَعْنَى: مِنْ، حَتَّى يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ، وَحَذْفُ مَفْعُولَيْ آتَى، وَأَحَدِهِمَا جَائِزٌ اخْتِصَارًا وَاقْتِصَارًا، لِأَنَّ هَذَا بَابُ: أَعْطَى، وَذَلِكَ جَائِزٌ فِيهِ.
وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [1] وَاحْتَمَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ هُنَا مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الدُّنْيَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إِخْبَارًا عَنِ الدَّاعِي بِأَنَّهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ طَلَبِ نَصِيبٍ، فَيَكُونُ هَذَا كَالتَّوْكِيدِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا، وَجَمَعَ فِي قَوْلِهِ: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَلَوْ جَرَى عَلَى لَفْظِ مَنْ، لَكَانَ: رَبِّ آتِنِي. وَرُوعِيَ الْجَمْعُ هُنَا لِكَثْرَةِ مَنْ يَرْغَبُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى مَطَالِبِ الدُّنْيَا وَنَيْلِهَا، وَلَوْ أَفْرَدَ لَتُوُهِّمَ أن ذلك قليل.

[1] سورة البقرة: 2/ 102.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 309
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست