responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 253
والذي تختاره فِي هَذَا أَنَّ الْمَفْعُولَ فِي الْمَعْنَى هُوَ: بِأَيْدِيكُمْ، لَكِنَّهُ ضَمَّنَ: أَلْقَى، مَعْنَى مَا يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ، فَعَدَّاهُ بِهَا، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا تُفْضُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. كَقَوْلِهِ:
أَفْضَيْتُ بِجَنْبِي إِلَى الْأَرْضِ أَيْ: طَرَحْتُ جَنْبِي عَلَى الْأَرْضِ، وَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ قَدْ عَبَّرَ عَنِ الْأَنْفُسِ بِالْأَيْدِي، لِأَنَّ بِهَا الْحَرَكَةَ وَالْبَطْشَ وَالِامْتِنَاعَ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْءَ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُمْتَنَعَ بِهِ مِنَ الْهَلَاكِ، وَلَا يُهْمَلَ مَا وُضِعَ لَهُ، وَيُفْضَى بِهِ إِلَى الْهَلَاكِ وَتَقَدَّمَتْ مَعَانِي: أَفْعَلَ، فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مَعْنًى، وَعَرَضْتُهَا عَلَى لَفْظِ: أَلْقَى، فَوَجَدْتُ أَقْرَبَ مَا يُقَالُ فِيهِ: أَنَّ: أَفْعَلَ، لِلْجَعْلِ عَلَى مَا اسْتَقْرَأَهُ التَّصْرِيفِيُّونَ تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ تَجْعَلَهُ كَقَوْلِكَ: أَخْرَجْتُهُ، أَيْ: جَعَلْتُهُ يَخْرُجُ، فَتَكُونُ الْهَمْزَةُ فِي هَذَا النَّوْعِ لِلتَّعْدِيَةِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى صِفَةٍ، كَقَوْلِهِ: أَطَرَدْتُهُ، فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لَيْسَتْ لِلتَّعْدِيَةِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا دُونَهَا، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: جَعَلْتُهُ طَرِيدًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَجْعَلَهُ صَاحِبَ شَيْءٍ بِوَجْهٍ مَا، فَمِنْ ذَلِكَ: أَشْفَيْتُ فُلَانًا، جَعَلْتُ لَهُ دَوَاءً يُسْتَشْفَى بِهِ، وَأَسْقَيْتُهُ: جَعَلْتُهُ ذَا مَاءٍ يَسْقِي بِهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى السَّقْيِ. وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ: أَقْبَرْتُهُ، وَأَنْعَلْتُهُ، وَأَرْكَبْتُهُ، وَأَخْدَمْتُهُ، وَأَعْبَدْتُهُ: جَعَلْتُ لَهُ قَبْرًا، وَنَعْلًا، وَمَرْكُوبًا، وَخَادِمًا، وَعَبْدًا.
فَأَمَّا: أَلْقَى، فَإِنَّهَا مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي، فَمَعْنَى: أَلْقَيْتُ الشيء: جعلته لقى، واللقى فعل بمعنى مفعول، كمان أَنَّ الطَّرِيدَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تجعلوا أنفسكم لقى إِلَى التَّهْلُكَةِ فَتَهْلَكَ.
وَقَدْ حَامَ الزَّمَخْشَرِيُّ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَيَّدْنَاهُ فَلَمْ يَنْهَضْ بِتَخْلِيصِهِ، فَقَالَ: الْبَاءُ فِي: بِأَيْدِيكُمْ، مِثْلُهَا فِي أَعْطَى بِيَدِهِ لِلْمُنْقَادِ، وَالْمَعْنَى: وَلَا تُقْبِضُوا التَّهْلُكَةَ أَيْدِيَكُمْ، أَيْ:
لَا تَجْعَلُوهَا آخِذَةً بِأَيْدِيكُمْ، مَالِكَةً لَكُمْ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي كَلَامِهِ أَنَّ الْبَاءَ مَزِيدَةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْقَاسُ.
وَأَحْسِنُوا هَذَا أَمْرٌ بِالْإِحْسَانِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى طَلَبِ الْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 253
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست