responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 224
إِلَّا مِنَ الْحَلَالِ الْخَالِصِ الَّذِي يُنَوِّرُ الْقَلْبَ، وَيَزِيدُهُ بَصِيرَةً، وَيُفْضِي بِهِ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ، فَلِذَلِكَ نُهِيَ عَنْ أَكْلِ الْحَرَامِ المضي بِهِ إِلَى عَدَمِ قَبُولِ عِبَادَتِهِ مِنْ صِيَامِهِ وَاعْتِكَافِهِ، وَتَخَلَّلَ أَيْضًا بَيْنَ آيَاتِ الصِّيَامِ آيَةُ إِجَابَةِ سُؤَالِ الدَّاعِي، وَسُؤَالِ الْعِبَادِ اللَّهَ تَعَالَى، وَقَدْ جَاءَ
فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ مَنْ كَانَ مَطْعَمُهُ حَرَامًا، وَمَلْبَسُهُ حَرَامًا، وَمَشْرَبُهُ حَرَامًا، ثُمَّ سَأَلَ اللَّهَ أَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ» .
فَنَاسَبَ أَيْضًا النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ الْمَالِ الْحَرَامِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُنَاسَبَةُ: أَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الصَّوْمَ، كَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، ثُمَّ خَالَفَ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَيْنَهُمْ، فَأَحَلَّ لَهُمُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالْجِمَاعَ فِي لَيَالِي الصَّوْمِ، أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُوَافِقُوهُمْ فِي أَكْلِ الرِّشَاءِ مِنْ مُلُوكِهِمْ وَسَفَلَتِهِمْ وَمَا يَتَعَاطَوْنَهُ مِنَ الرِّبَا، وَمَا يَسْتَبِيحُونَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا [1] لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [2] أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [3] وَأَنْ يَكُونُوا مُخَالِفِيهِمْ قَوْلًا، وَفِعْلًا، وَصَوْمًا، وَفِطْرًا، وَكَسْبًا، وَاعْتِقَادًا، وَلِذَلِكَ وَرَدَ لَمَّا نُدِبَ إِلَى السُّحُورِ: «خَالِفُوا الْيَهُودَ» وَكَذَلِكَ أَمَرَهُمْ فِي الْحُيَّضِ مُخَالَفَتَهُمْ إِذْ عَزَمَ الصَّحَابَةُ عَلَى اعْتِزَالِ الْحُيَّضِ، إِذْ نَزَلَ فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ [4] لِاعْتِزَالِ الْيَهُودِ، بِأَنْ لَا يُؤَاكِلُوهُنَّ، وَلَا يَنَامُوا مَعَهُنَّ فِي بَيْتٍ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: «افْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» . فَقَالَتِ الْيَهُودُ: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَتْرُكَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ.
وَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا، الْأَكْلُ الْمَعْرُوفُ، لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ. وَذَكَرَهُ دُونَ سَائِرِ وُجُوهِ الِاعْتِدَاءِ وَالِاسْتِيلَاءِ، لِأَنَّهُ أَهَمُّ الْحَوَائِجِ، وَبِهِ يَقَعُ إِتْلَافُ أَكْثَرِ الْأَمْوَالِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَكْلُ هُنَا مَجَازًا عَبَّرَ بِهِ عَنِ الْأَخْذِ وَالِاسْتِيلَاءِ، وَهَذَا الْخِطَابُ وَالنَّهْيُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَإِضَافَةُ الْأَمْوَالِ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ. وَالْمَعْنَى: وَلَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ، كَقَوْلِهِ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [5] أَيْ: لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَالضَّمِيرُ الَّذِي لِلْخِطَابِ يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ تحتمه أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا وَمَنْهِيًّا عَنْهُ، وَآكِلًا وَمَأْكُولًا مِنْهُ، فَخَلَطَ الضَّمِيرَ لِهَذِهِ الصَّلَاحِيَّةِ، وكما يحرم أن يأكل يحرم أن يؤكل غَيْرَهُ، فَلَيْسَتِ الْإِضَافَةُ إِذْ ذَاكَ لِلْمَالِكِينَ حَقِيقَةً، بَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْإِضَافَةِ بِالْمُلَابَسَةِ. وَأَجَازَ قَوْمٌ الْإِضَافَةَ لِلْمَالِكِينَ، وَفَسَّرُوا الْبَاطِلَ بِالْمَلَاهِي وَالْقِيَانِ وَالشُّرْبِ، وَالْبَطَالَةِ بَيْنَكُمْ مَعْنَاهُ فِي مُعَامَلَاتِكُمْ وَأَمَانَاتِكُمْ، لِقَوْلِهِ: تُرِيدُونَهَا بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ.

[1] سورة البقرة: 2/ 174.
[2] سورة آل عمران: 3/ 75.
[3] سورة المائدة: 5/ 42.
[4] سورة البقرة: 2/ 222.
[5] سورة النساء: 4/ 29.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 224
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست