responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 222
هُنَا. وَكَانَتْ آيَةُ الصِّيَامِ قَدْ تَضَمَّنَتْ عِدَّةَ أَوَامِرَ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَتْ عدة مناهي، ثُمَّ جَاءَ آخِرَهَا النَّهْيُ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ فِي حَالَةِ الِاعْتِكَافِ، فَأُطْلِقَ عَلَى الْكُلِّ: حُدُودٌ، تَغْلِيبًا لِلْمَنْطُوقِ بِهِ، وَاعْتِبَارًا بِتِلْكَ الْمَنَاهِي الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الْأَوَامِرُ.
فَقِيلَ: حُدُودُ اللَّهِ، وَاحْتِيجَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِفِعْلِهِ لَا يُقَالُ فِيهِ: فَلَا تَقْرَبُوهَا، وَحُدُودُ اللَّهِ: شُرُوطُهُ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. أَوْ: فَرَائِضُهُ، قَالَهُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ. أَوْ: مَعَاصِيهِ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقَالَ مَعْنَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، قَالَ: مَحَارِمُهُ وَمَنَاهِيهِ، أَوِ الْحَوَاجِزُ هِيَ الْإِبَاحَةُ وَالْحَظْرُ قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ.
وَإِضَافَةُ الْحُدُودِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى هُنَا، وَحَيْثُ ذُكِرَتْ، تَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي عَدَمِ الِالْتِبَاسِ بِهَا، وَلَمْ تَأْتِ مُنَكَّرَةً وَلَا مُعَرَّفَةً بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لِهَذَا الْمَعْنَى.
فَلا تَقْرَبُوها النَّهْيُ عَنِ الْقُرْبَانِ لِلْحُدُودِ أَبْلَغُ مِنَ النَّهْيِ عَنْ الِالْتِبَاسِ بِهَا، وَهَذَا كَمَا
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، وَحِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، فَمَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» .
وَالرَّتْعُ حَوْلَ الْحِمَّى وَقُرْبَانُهُ وَاحِدٌ، وَجَاءَ هُنَا: فَلَا تَقْرَبُوهَا، وَفِي مَكَانٍ آخَرَ:
فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ [1] وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ، لِأَنَّهُ غَلَّبَ هُنَا جِهَةَ النَّهْيِ، إِذْ هُوَ الْمُعَقِّبُ بِقَوْلِهِ: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ فِعْلِهِ كَانَ النَّهْيُ عَنْ قُرْبَانِهِ أَبْلَغَ، وَأَمَّا حَيْثُ جَاءَ: فَلَا تَعْتَدُوهَا، فَجَاءَ عَقِبَ بَيَانِ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَذِكْرِ أَحْكَامِ الْعِدَّةِ وَالْإِيلَاءِ وَالْحَيْضِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَنْهَى عَنِ التَّعَدِّي فِيهَا، وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ [2] جَاءَ بَعْدَ أَحْكَامِ الْمَوَارِيثِ، وَذِكْرِ أَنْصِبَاءِ الْوَارِثِ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ، وَبَيَانِ عَدَدِ مَا يَحِلُّ مِنَ الزَّوْجَاتِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ عَقِيبَ هَذَا كُلِّهُ التَّعَدِّيَ الَّذِي هُوَ مُجَاوَزَةُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ إِلَى مَا لَمْ يَشْرَعْهُ. وَجَاءَ قَوْلُهُ: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، عَقِيبَ قَوْلِهِ: وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ [3] ثُمَّ وَعَدَ مَنْ أَطَاعَ بِالْجَنَّةِ، وَأَوْعَدَ مَنْ عَصَا وَتَعَدَّى حُدُودَهُ بِالنَّارِ، فَكُلُّ نَهْيٍ مِنَ الْقُرْبَانِ وَالتَّعَدِّي وَاقِعٌ فِي مَكَانِ مُنَاسَبَتِهِ.
وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ مَعْنَى: لَا تَقْرَبُوهَا: لَا تَتَعَرَّضُوا لَهَا بِالتَّغْيِيرِ، كَقَوْلِهِ: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
«4» .

[1] سورة البقرة: 2/ 229.
[2] سورة النساء: 4/ 14.
[3] سورة النساء: 4/ 12.
(4) سورة الأنعام: 6/ 152، وسورة الإسراء: 17/ 34.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 222
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست