responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 15
الْكَعْبَةِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ إِلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، تَأَلُّفًا لِلْيَهُودِ، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَيَقُولُ: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَسْتَقْبِلَهَا الْجِهَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا أَوَّلًا بِمَكَّةَ، يَعْنِي: وَمَا رَدَدْنَاكَ إِلَيْهَا إِلَّا امْتِحَانًا لِلنَّاسِ وَابْتِلَاءً، انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ.
وَقَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ التي كنت عليها: هو الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ. وَقِيلَ: هَذَا بَيَانٌ لِحِكْمَةِ جَعْلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قِبْلَةً. وَالْمَعْنَى: وَمَا جَعَلْنَا مُتَوَجَّهَكَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ إِلَّا لِنَعْلَمَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى: أَنَّ اسْتِقْبَالَكَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ هُوَ أَمْرٌ عَارِضٌ، لِيَتَمَيَّزَ بِهِ الثَّابِتُ عَلَى دِينِهِ مِنَ الْمُرْتَدِّ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَعْبَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ صَالِحٌ بِأَنْ يُوصَفَ بِقَوْلِهِ: الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِمَا فِي وَقْتَيْنِ. وَقِيلَ: الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا صِفَةٌ لِلْقِبْلَةِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَفْعُولِ الثَّانِي، فَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا قِبْلَةً إِلَّا لِنَعْلَمَ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كنت عليها مَنْسُوخَةً إِلَّا لِنَعْلَمَ. وَقِيلَ: ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ وَمَا جَعَلْنَا صَرْفَ القبلة التي كنت عليها إِلَّا لِنَعْلَمَ، وَيَكُونُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي عَلَى هَذَا قَوْلَهُ: لِنَعْلَمَ، كَمَا تَقُولُ: ضَرْبُ زِيدٍ لِلتَّأْدِيبِ، أَيْ كَائِنٌ وَمَوْجُودٌ لِلتَّأْدِيبِ، أَيْ بِسَبَبِ التَّأْدِيبِ. وَعَلَى كَوْنِ الَّتِي صِفَةً، يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقِبْلَةِ: الْكَعْبَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، إِذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَّصِفٌ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْقِبْلَةُ فِي الْآيَةِ:
الْكَعْبَةُ، وَكُنْتَ بِمَعْنَى: أَنْتَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [1] بِمَعْنَى: أَنْتُمْ. انْتَهَى.
وَهَذَا مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنْ صَحَّ تَفْسِيرُ مَعْنًى، لَا تَفْسِيرُ إِعْرَابٍ، لِأَنَّهُ يؤول إِلَى زِيَادَةِ كَانَ الرَّافِعَةِ لِلِاسْمِ وَالنَّاصِبَةِ لِلْخَبَرِ، وَهَذَا لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ أَحَدٌ. وَإِنَّمَا تَفْسِيرُ الْإِعْرَابِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، مَا نَقَلَهُ النَّحْوِيُّونَ، أَنَّ كَانَ تَكُونُ بِمَعْنَى صَارَ، وَمَنْ صَارَ إِلَى شَيْءٍ وَاتَّصَفَ بِهِ، صَحَّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى نِسْبَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ إِلَيْهِ. فَإِذَا قُلْتَ: صِرْتَ عَالِمًا، صَحَّ أَنْ تَقُولَ: أَنْتَ عَالِمٌ، لِأَنَّكَ تُخْبِرُ عَنْهُ بِشَيْءٍ هُوَ فِيهِ. فَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُنْتَ بِأَنْتَ، هُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَهُوَ تَفْسِيرُ مَعْنًى، لَا تَفْسِيرُ إِعْرَابٍ. وَكَذَلِكَ مَنْ صَارَ خَيْرَ أُمَّةٍ، صَحَّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: أَنْتُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ.
إِلَّا لِنَعْلَمَ: اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنَ الْمَفْعُولِ لَهُ، وَفِيهِ حَصْرُ السَّبَبِ، أَيْ مَا سَبَّبَ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ إِلَّا كَذَا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: لِنَعْلَمَ، ابْتِدَاءُ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى الظَّاهِرِ، إِذْ يَسْتَحِيلُ حُدُوثُ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. فَأُوِّلَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ لِيَعْلَمَ رسولنا والمؤمنون، وأسند

[1] سورة آل عمران: 3/ 110.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 15
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست