responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 132
وَقِيلَ: لَيْسَ الْبِرَّ الْعَظِيمَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَذْهَلُوا بِشَأْنِهِ عَنْ سَائِرِ صُنُوفِ الْبِرِّ أَمْرَ الْقِبْلَةِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ قِبْلَةُ النَّصَارَى مَشْرِقُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِأَنَّهُ مِيلَادُ عِيسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَكاناً شَرْقِيًّا
«1» وَالْيَهُودُ مَغْرِبُهُ وَالْآيَةُ رَدٌّ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ.
وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ الْبِرُّ: مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي، فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُ الذَّوَاتَ إِلَّا مَجَازًا، فَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ: الْبِرُّ، هُوَ نَفْسَ مَنْ آمَنَ، عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَالْمَعْنَى: وَلَكِنَّ الْبَارَّ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفٍ مِنَ الْأَوَّلِ، أَيْ: وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ. أَوْ مِنَ الثَّانِي أَيْ: بِرُّ مَنْ آمَنَ، قَالَهُ قُطْرُبٌ، وَعَلَى هَذَا خَرَّجَهُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ فِي كِتَابِهِ: وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ وَإِنَّمَا هُوَ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ. انْتَهَى.
وَإِنَّمَا اخْتَارَ هَذَا سِيبَوَيْهِ لِأَنَّ السَّابِقَ إِنَّمَا هُوَ نَفْيُ كَوْنِ الْبِرِّ هُوَ تَوْلِيَةَ الْوَجْهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَالَّذِي يُسْتَدْرَكُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْفَى، وَنَظِيرُ ذَلِكَ: لَيْسَ الْكَرَمُ أَنْ تَبْذُلَ دِرْهَمًا، وَلَكِنَّ الْكَرَمَ بَذْلُ الْآلَافِ، فَلَا يُنَاسِبُ: وَلَكِنَّ الْكَرِيمَ مَنْ يَبْذُلُ الْآلَافَ إِلَّا إِنْ كَانَ قَبْلَهُ: لَيْسَ الْكَرِيمُ بِبَاذِلِ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: لَوْ كُنْتُ مِمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَكِنَّ الْبَرَّ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْمَ فَاعِلٍ، تَقُولُ: بَرَرْتُ أَبَرُّ، فَأَنَا بَرٌّ وَبَارٌّ، قِيلَ: فَبُنِيَ تَارَةً عَلَى فَعْلٍ، نَحْوَ: كَهْلٍ، وَصَعْبٍ، وَتَارَةً عَلَى فَاعِلٍ، وَالْأَوْلَى ادِّعَاءُ حَذْفِ الْأَلِفِ مِنَ الْبَرِّ، وَمِثْلُهُ: سَرٌّ، وَقَرٌّ، وَرَبٌّ، أَيْ: سَارٌّ، وَقَارٌّ، وَبَارٌّ، وَرَابٌّ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَنْ آمَنَ، مَعْنَاهُ الْإِيمَانُ لَمَّا وَقَعَ مَنْ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ جُعِلَ خَبَرًا لِلْأَوَّلِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الِاسْمَ خَبَرًا لِلْفِعْلِ، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:
لَعَمْرُكَ مَا الْفِتْيَان أَنْ تَنْبُتَ اللِّحَى ... وَلَكِنَّمَا الْفِتْيَانُ كل فتى ندب
جَعَلَ نَبَاتَ اللِّحْيَةِ خَبَرًا لِلْفَتَى، وَالْمَعْنَى: لَعَمْرُكَ مَا الْفُتُوَّةُ أَنْ تَنْبُتَ اللِّحَى، وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ: ولكن بِسُكُونِ النُّونِ خَفِيفَةً، وَرَفْعِ الْبِرِّ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ النُّونِ مُشَدَّدَةً وَنَصْبِ الْبِرِّ، وَالْإِعْرَابُ وَاضِحٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا [2] .
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إن كان الْإِيمَانِ مُصَرَّحًا بِهَا كَمَا جَاءَ
فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ حِينَ سَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وملائكته

(1) سورة مريم: 19/ 16.
[2] سورة البقرة: 2/ 102.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 132
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست