responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 11
مَقَالَتَهُمْ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ إِنْكَارَهُمْ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْجِهَاتِ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، يُكَلِّفُ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ مِنْهَا، وَأَنْ تُجْعَلَ قِبْلَةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، فَأَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ هُنَا. وقد شرح المشرق بيت الْمَقْدِسِ، وَالْمَغْرِبَ بِالْكَعْبَةِ، لِأَنَّ الْكَعْبَةَ غَرْبِيُّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَكُونُ بِالضَّرُورَةِ بَيْتُ الْمَقْدِسِ شَرْقِيَّهَا. يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ: أَيْ مَنْ يَشَاءُ هِدَايَتَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَا يُشْبِهُ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي قَوْلِهِ:
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [1] ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ: وَتَقَدَّمَ أَنَّ هُدًى يَتَعَدَّى بِاللَّامِ وَبِإِلَى وَبِنَفْسِهِ، وَهُنَا عُدِّيَ بِإِلَى. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ الَّتِي حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ فِيهَا، فَقِيلَ: الصُّبْحُ، وَقِيلَ: الظُّهْرُ، وَقِيلَ: الْعَصْرُ. وَكَذَلِكَ أَكْثَرُوا الْكَلَامَ فِي الْحِكْمَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا كَانَ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ، بِأَشْيَاءَ لَا يَقُومُ عَلَى صِحَّتِهَا دَلِيلٌ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِعِلَلٍ لَمْ يُشِرْ إِلَيْهَا الشَّرْعُ، وَلَا قَادَ نَحْوَهَا الْعَقْلُ، فَتَرَكْنَا نَقْلَ ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا هَذَا، عَلَى عَادَتِنَا فِي ذَلِكَ. وَمَنْ طَلَبَ لِلْوَضْعِيَّاتِ تَعَالِيلَ، فَأَحْرَى بِأَنْ يَقِلَّ صَوَابُهُ وَيَكْثُرَ خَطَؤُهُ. وَأَمَّا مَا نَصَّ الشَّرْعُ عَلَى حِكْمَتِهِ، أَوْ أَشَارَ، أَوْ قَادَ إِلَيْهِ النَّظَرُ الصَّحِيحُ، فَهُوَ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ، وَلَا اسْتِفَادَةَ إِلَّا مِنْهُ. وَقَدْ فَسَّرَ قَوْلَهُ:
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بِأَنَّهُ الْقِبْلَةُ الَّتِي هِيَ الْكَعْبَةُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعُهُ، فَالْكَعْبَةُ مِنْ بَعْضِ مَشْرُوعَاتِهِ.
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً: الْكَافُ: لِلتَّشْبِيهِ، وَذَلِكَ: اسْمُ إِشَارَةٍ، وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، إِمَّا لِكَوْنِهِ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ حَالًا. وَالْمَعْنَى: وَجَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا جَعْلًا مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ لَيْسَ إِلَى مَلْفُوظٍ بِهِ مُتَقَدِّمٍ، إِذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ اسْمٌ يُشَارُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، لَكِنْ تَقَدَّمَ لَفْظُ يَهْدِي، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ الْهُدَى، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ: يَجْعَلُهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [2] . قَابَلَ تَعَالَى الضَّلَالَ بِالْجَعْلِ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، إِذْ ذَلِكَ الْجَعْلُ هُوَ الْهِدَايَةُ، فَكَذَلِكَ مَعْنَى الْهَدْيِ هُنَا هُوَ ذَلِكَ الْجَعْلُ. وَتَبَيَّنَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ إِلَى آخِرِهِ، أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ قِبْلَتَهُمْ خَيْرًا مِنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، أَوْ وَسَطًا. فَعَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ اخْتَلَفَتِ الْأَقَاوِيلُ فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ. فَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ شَبَّهَ جَعْلَهُمْ أُمَّةً وَسَطًا بِهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، أَيْ أَنْعَمْنَا عَلَيْكُمْ بِجَعْلِكُمْ أُمَّةً وَسَطًا، مِثْلَ مَا سَبَقَ إِنْعَامُنَا عَلَيْكُمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى الْمَصْدَرِ الدَّالِّ عَلَيْهِ يَهْدِي، أي جعلناكم أمة

[1] سورة الفاتحة: 1/ 6.
[2] سورة الأنعام: 6/ 39.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 11
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست