responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 104
إِلَيْكَ، وَلَا أَعْطُوا السَّائِلَ وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا، وَلَا رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَالْوَاوُ فِي وَلَوْ فِي الْمُثُلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَاطِفَةٌ عَلَى حَالٍ مُقَدَّرَةٍ، وَالْعَطْفُ عَلَى الْحَالِ حَالٌ، فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا لِلْحَالِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهَا عَطَفَتْ جُمْلَةً حَالِيَّةً عَلَى حَالٍ مُقَدَّرَةٍ. وَالْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ عَلَى الْحَالِ حَالٌ، وَصَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا لِلْعَطْفِ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ الْعَطْفُ، وَالْمَعْنَى:
وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِنْكَارُ اتِّبَاعِ آبَائِهِمْ فِي كُلِّ حَالٍ، حَتَّى فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَا تُنَاسِبُ أَنْ يُتَّبَعُوا فِيهَا، وَهِيَ تَلَبُّسُهُمْ بِعَدَمِ الْعَقْلِ وَعَدَمِ الْهِدَايَةِ. وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَذْفُ هَذِهِ الْوَاوِ الدَّاخِلَةِ عَلَى لَوْ، إِذَا كَانَتْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا لَمْ يَكُنْ يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهَا. وَإِنْ كَانَتِ الْجُمْلَةُ الْوَاقِعَةُ حَالًا فِيهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى ذِي الْحَالِ، لِأَنَّ مَجِيئَهَا عَارِيَةً مِنَ الْوَاوِ يُؤْذِنُ بِتَقْيِيدِ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ بِهَذِهِ الْحَالِ، فَهُوَ يُنَافِي اسْتِغْرَاقَ الْأَحْوَالِ حَتَّى هَذِهِ الْحَالِ. فَهُمَا مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ: أَكْرِمْ زَيْدًا لَوْ جَفَاكَ، أَيْ إِنْ جَفَاكَ، وَبَيْنَ أَكْرِمْ زَيْدًا وَلَوْ جَفَاكَ. وَانْتِصَابُ شَيْئًا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ فَعَمَّ جَمِيعَ الْمَعْقُولَاتِ، لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فتعم، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيُ الْوَحْدَةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا بَلْ أَشْيَاءً. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ شَيْئًا مِنَ الْعَقْلِ، وَإِذَا انْتَفَى، انْتَفَى سَائِرُ الْعُقُولِ، وَقَدَّمَ نَفْيَ الْعَقْلِ، لِأَنَّهُ الَّذِي تَصْدُرُ عَنْهُ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ، وَأَخَّرَ نَفْيَ الْهِدَايَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى نَفْيِ الْعَقْلِ، لِأَنَّ الْهِدَايَةَ لِلصَّوَابِ هِيَ نَاشِئَةٌ عَنِ الْعَقْلِ، وَعَدَمُ الْعَقْلِ عَدَمٌ لَهَا.
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ: لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ، إِذَا أُمِرُوا بِاتِّبَاعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، أَعْرَضُوا عَنْ ذَلِكَ وَرَجَعُوا إِلَى مَا أَلِفُوهُ مِنَ اتباع الباطل الذي نشأوا عَلَيْهِ وَوَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ، وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا مَا يُقَالُ لَهُمْ، وَصَمُّوا عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ، وَخَرِسُوا عَنِ النُّطْقِ بِهِ، وَعَمُوا عَنْ إِبْصَارِ النُّورِ السَّاطِعِ النَّبَوِيِّ. ذَكَرَ هَذَا التَّشْبِيهَ الْعَجِيبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُنَبِّهًا عَلَى حَالَةِ الْكَافِرِ فِي تَقْلِيدِهِ أَبَاهُ وَمُحَقِّرًا نَفْسَهُ، إِذْ صَارَ هُوَ فِي رُتْبَةِ الْبَهِيمَةِ، أَوْ فِي رُتْبَةِ دَاعِيهَا، عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَيَأْتِي فِي هَذَا التَّشْبِيهِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ لَا بُدَّ فِي فَهْمِ مَعْنَاهَا مِنْ تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ. وَاخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:
الْمَثَلُ مَضْرُوبٌ بِتَشْبِيهِ الْكَافِرِ بِالنَّاعِقِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مَضْرُوبٌ بِتَشْبِيهِ الْكَافِرِ بِالْمَنْعُوقِ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مضروب بتشبيه داعي والكافر بِالنَّاعِقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مَضْرُوبٌ بِتَشْبِيهِ الدَّاعِي وَالْكَافِرِ بِالنَّاعِقِ وَالْمَنْعُوقِ بِهِ. فَعَلَى أَنَّ الْمَثَلَ مَضْرُوبٌ بِتَشْبِيهِ الْكَافِرِ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 104
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست