responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 93
مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَبْطَنُوا خِلَافَهُ، وَمُخَادَعَةُ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ كَوْنُهُمُ امْتَثَلُوا أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ.
وَفِي مُخَادَعَتِهِمْ هُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ فَوَائِدُ لَهُمْ، مِنْ تَعْظِيمِهِمْ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالتَّطَلُّعِ عَلَى أَسْرَارِهِمْ فَيُغَشُّونَهَا إِلَى أَعْدَائِهِمْ، وَرَفْعُ حُكْمِ الْكُفَّارِ عَنْهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا يَنَالُونَ مِنَ الْإِحْسَانِ بِالْهِدَايَةِ وَقَسْمِ الْغَنَائِمَ. وَقَرَأَ: وَمَا يُخَادِعُونَ، الْحَرَمِيَّانِ، وَأَبُو عَمْرٍو. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ: وَمَا يَخْدَعُونَ. وَقَرَأَ الْجَارُودُ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ، وَأَبُو طَالُوتَ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ شَدَّادٍ: وَمَا يَخْدَعُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: وَمَا يُخَادَعُونَ، بِفَتْحِ الدَّالِّ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ قَتَادَةُ، وَمُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ: وَمَا يُخَدِّعُونَ، مِنْ خَدَّعَ الْمُشَدِّدِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَبَعْضُهُمْ يَفْتَحُ الْيَاءَ وَالْخَاءَ وَتَشْدِيدُ الدَّالِّ الْمَكْسُورَةِ. فَهَذِهِ سِتُّ قِرَاءَاتٍ تَوْجِيهُ:
الْأُولَى: أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْخِدَاعِ إِنَّمَا هُوَ الْوُصُولُ إِلَى الْمَقْصُودِ مِنَ الْمَخْدُوعِ، بِأَنْ يَنْفَعِلَ لَهُ فِيمَا يُخْتَارُ، وَيُنَالُ مِنْهُ مَا يُطْلَبُ عَلَى غِرَّةٍ مِنَ الْمَخْدُوعِ وَتَمَكُنٍ مِنْهُ وَتَفَعُّلٍ لَهُ، وَوَبَالُ ذَلِكَ لَيْسَ رَاجِعًا لِلْمَخْدُوعِ، إِنَّمَا وَبَالُهُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُخَادِعِ، فَكَأَنَّهُ مَا خَادَعَ وَلَا كَادَ إِلَّا نَفْسَهُ بِإِيرَادِهَا مَوَارِدَ الْهَلَكَةِ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ جَهْلًا مِنْهُ بِقَبِيحِ انْتِحَالِهِ وَسُوءِ مَآلِهِ. وَعَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِالْمُخَادَعَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُقَابَلَةِ، وَتَسْمِيَةِ الْفِعْلِ الثَّانِي بِاسْمِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ الْمُسَبِّبِ لَهُ، كَمَا قَالَ:
أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا
جَعَلَ انْتِصَارَهُ جَهْلًا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَنْزَعَ هُنَا أَنَّهُ قَدْ يَجِيءُ مِنْ وَاحِدٍ: كَعَاقَبْتُ اللِّصَّ، وَطَارَقْتُ النَّعْلَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمُخَادَعَةُ عَلَى بَابِهَا مِنِ اثْنَيْنِ، فَهُمْ خَادِعُونَ أَنْفُسَهُمْ حَيْثُ مَنَّوْهَا الْأَبَاطِيلَ، وَأَنْفُسُهُمْ خَادِعَتُهُمْ حَيْثُ مَنَّتْهُمْ أَيْضًا ذَلِكَ، فَكَأَنَّهَا مُجَاوَرَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
تَذَكَّرَ مِنْ أَنَّى ومن أين شربه ... يؤامر نَفْسَيْهِ لِذِي الْبَهْجَةِ الْأَبِلْ
وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ:
لَمْ تَدْرِ مَا وَلَسْتُ قَائِلَهَا ... عُمْرُكَ مَا عِشْتَ آخِرَ الأبد
ولم تؤامر نَفْسَيْكَ مُمْتَرِيًا ... فِيهَا وَفِي أُخْتِهَا وَلَمْ تَلِدْ
وَقَالَ:
يُؤَامِرُ نَفْسَيْهِ وَفِي الْعَيْشِ فُسْحَةٌ ... أَيَستَوبِعُ الذَّوَبَانَ أَمْ لَا يُطَوِّرُهَا

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 93
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست