responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 53
ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَتَى بِالْفِعْلِ مَاضِيًا وَأَتَى بِالِاسْمِ فِي صِلَةِ أَنَّ لِيَشْمَلَ سَائِرَ الْأَزْمَانِ، وَبِنَاهِ لِلْمَفْعُولِ، لِأَنَّ مَنْ طُلِبَ مِنْهُ الْهِدَايَةُ وَنُسِبَ الْإِنْعَامُ إِلَيْهِ لَا يُنَاسِبُ نِسْبَةَ الْغَضَبِ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَقَامُ تَلَطُّفٍ وَتَرَفُقٍ وَتَذَلُّلٍ لِطَلَبِ الْإِحْسَانِ، فَلَا يُنَاسِبُ مُوَاجَهَتَهُ بِوَصْفِ الِانْتِقَامِ، وَلِيَكُونَ الْمَغْضُوبُ تَوْطِئَةً لِخَتْمِ السُّورَةِ بِالضَّالِّينَ لِعَطْفِ مَوْصُولٍ عَلَى مَوْصُولٍ مِثْلَهُ لِتَوَافُقِ آخِرِ الْآيِ. وَالْمُرَادُ بِالْإِنْعَامِ، الْإِنْعَامُ الدِّينِيُّ، وَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ غُضِبَ عَلَيْهِ وَضَلَّ.
وَقِيلَ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَالضَّالُّونَ النَّصَارَى، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، وَإِذَا صَحَّ هَذَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ الْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُونَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ فِي الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ قُيُودٌ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ لَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهَا، كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، بِتَرْكِ حُسْنِ الْأَدَبِ فِي أَوْقَاتِ الْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ، وَلَا الضَّالِّينَ، بِرُؤْيَةِ ذَلِكَ، وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا. وَالْغَضَبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِرَادَةُ الِانْتِقَامِ مِنَ الْعَاصِي لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِالْعَبْدِ قَبْلَ خَلْقِهِ وَقَبْلَ صُدُورِ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُ، فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ أَوْ إِحْلَالُ الْعُقُوبَةِ بِهِ، فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، وَقَدَّمَ الْغَضَبَ عَلَى الضَّلَالِ، وَإِنْ كَانَ الْغَضَبُ مِنْ نَتِيجَةِ الضَّلَالِ ضَلَّ عَنِ الْحَقِّ فَغَضِبَ عَلَيْهِ لِمُجَاوَرَةِ الْإِنْعَامِ، وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ قَرِينَةٌ، لِأَنَّ الْإِنْعَامَ يُقَابَلُ بِالِانْتِقَامِ، وَلَا يُقَابِلُ الضَّلَالُ الْإِنْعَامَ فَالْإِنْعَامُ إِيصَالُ الْخَيْرِ إِلَى الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ، وَالِانْتِقَامُ إِيصَالُ الشَّرِّ إِلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ، فَبَيْنَهُمَا تَطَابُقٌ مَعْنَوِيٌّ، وَفِيهِ أَيْضًا تَنَاسُبُ التَّسْجِيعِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا الضَّالِّينَ، تَمَامُ السُّورَةِ، فَنَاسَبَ أَوَاخِرَ الْآيِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ الْغَضَبُ، وَمُتَعَلِّقُهُ لَمَا نَاسَبَ أَوَاخِرَ الْآيِ. وَكَانَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ الْجَامِعَةِ الَّتِي لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِحُصُولِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ مُغَايَرَةِ جَمْعِ الْوَصْفَيْنِ، الْغَضَبِ عَلَيْهِ، وَالضَّلَالِ لِمَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ فُسِّرَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى. فَالتَّقْدِيمُ إِمَّا لِلزَّمَانِ أَوْ لِشِدَّةِ الْعَدَاوَةِ، لِأَنَّ الْيَهُودَ أَقْدَمُ وَأَشَدُّ عَدَاوَةً مِنَ النصارى.
وقد أنجز فِي غُضُونِ تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ عِلْمِ الْبَيَانِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ لَا يَهْتَدِي إِلَى اسْتِخْرَاجِهَا إِلَّا مَنْ كَانَ تَوَغَّلَ فِي فَهْمِ لِسَانِ الْعَرَبِ، وَرُزِقَ الْحَظَّ الْوَافِرَ مِنْ عِلْمِ الْأَدَبِ، وَكَانَ عَالِمًا بِافْتِنَانِ الْكَلَامِ، قَادِرًا عَلَى إِنْشَاءِ النِّثَارِ الْبَدِيعِ وَالنِّظَامِ. وَأَمَّا مَنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ، وَجَسَا طَبْعُهُ حَتَّى عَنِ الْفِقْرَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْأَدَبِ، فَسَمْعُهُ عَنْ هَذَا الْفَنِّ مَسْدُودٌ، وَذِهْنُهُ بِمَعْزِلٍ عَنْ هَذَا الْمَقْصُودِ. قَالُوا: وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ أَنْوَاعٌ:

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 53
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست