responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 515
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ [1] . وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى تَعْظِيمِ جِبْرِيلَ وَالتَّنْوِيهِ بِقَدْرِهِ، حَيْثُ جَعَلَهُ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُ تَعَالَى وَبَيْنَ أَشْرَفِ خَلْقِهِ، وَالْمُنَزَّلَ بِالْكِتَابِ الْجَامِعِ لِلْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ. وَدَلَّتْ عَلَى ذَمِّ الْيَهُودِ حَيْثُ أَبْغَضُوا مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُوا: وَهَذِهِ الْآيَةُ تَعَلَّقَتْ بِهَا الْبَاطِنِيَّةُ، وَقَالُوا: إِنَّ الْقُرْآنَ إِلْهَامٌ وَالْحُرُوفَ عِبَارَةُ الرَّسُولِ.
وَرُدَّ عَلَيْهِمْ: بِأَنَّهُ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ بِنَظْمِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُ وَحْيًا وَكِتَابًا وَعَرَبِيًّا، وَأَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِهِ، وَالْمُلْهَمُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى جِبْرِيلَ.
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ: الْعَدَاوَةُ بَيْنَ اللَّهِ وَالْعَبْدِ لَا تَكُونُ حَقِيقَةً، وَعَدَاوَةُ الْعَبْدِ لِلَّهِ تَعَالَى مَجَازٌ، وَمَعْنَاهَا: مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ، وَعَدَاوَةُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ، مُجَازَاتُهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ. وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ. أَكَّدَ بِقَوْلِهِ: وَمَلَائِكَتِهِ، أَمْرَ جِبْرِيلَ، إِذِ الْيَهُودُ قَدْ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ عَدُوُّهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لِكَوْنِهِ يَأْتِي بِالْهَلَاكِ وَالْعَذَابِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، بِأَنَّهُ أَتَى بِأَصْلِ الْخُيُورِ كُلِّهَا، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْجَامِعُ لِتِلْكَ الصِّفَاتِ الشَّرِيفَةِ، مِنْ مُوَافَقَتِهِ لِكُتُبِهِمْ، وَكَوْنِهِ هُدًى وَبُشْرَى، فَكَانَتْ تَجِبُ مَحَبَّتُهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، بِأَنْ قَرَنَهُ بِاسْمِهِ تَعَالَى مُنْدَرِجًا تَحْتَ عُمُومِ مَلَائِكَتِهِ، ثُمَّ ثَانِيًا تَحْتَ عُمُومِ رُسُلِهِ، لِأَنَّ الرُّسُلَ تَشْمَلُ الْمَلَائِكَةَ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ أُرْسِلَ مِنْ بَنِي آدَمَ، ثُمَّ ثَالِثًا بِالتَّنْصِيصِ عَلَى ذِكْرِهِ مُجَرَّدًا مَعَ مَنْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَهُ، وَهُوَ مِيكَالُ، فَصَارَ مَذْكُورًا فِي هذه الآية ثلاث مرار، كُلُّ ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى الْيَهُودِ وَذَمٌّ لَهُمْ، وَتَنْوِيهٌ بِجِبْرِيلَ. وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَدُوٌّ لِمَنْ عَادَى اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ. وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ جَمَعَ عَدَاوَةَ الْجَمِيعِ، فَاللَّهُ تَعَالَى عَدُوُّهُ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ عَادَى وَاحِدًا مِمَّنْ ذُكِرَ، فَاللَّهُ عَدُوُّهُ، إِذْ مُعَادَاةُ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ مُعَادَاةٌ لِلْجَمِيعِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَبْغَضَ رَسُولًا أَوْ مَلَكًا فَقَدْ كَفَرَ. فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْوَاوُ هُنَا بِمَعْنَى أَوْ، وَلَيْسَتْ لِلْجَمْعِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَاوُ لِلتَّفْصِيلِ، وَلَا يُرَادُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَدُوًّا لِجَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا لِجَمِيعِ الرُّسُلِ، بَلْ هَذَا مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ عَلَى الْجِنْسِ بِصُورَةِ الْجَمْعِ، كَقَوْلِكَ: إِنْ كَلَّمْتِ الرِّجَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِنْ كَلَّمْتِ كُلَّ الرِّجَالِ، وَلَا أَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ بِالْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ بِصُورَةِ الْجَمْعِ، فَلَوْ كَلَّمَتْ رَجُلًا وَاحِدًا طُلِّقَتْ، فَكَذَلِكَ هَذَا الْجَمْعُ فِي الْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ. فَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ عَادَى اللَّهَ، أَوْ مَلَكًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ، أَوْ رَسُولًا مِنْ رُسُلِهِ، فالله عدوّ له.

[1] سورة التوبة: 9/ 21.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 515
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست