responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 488
فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ: لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ جَائِيًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، فَكَذَّبُوهُ وَسَتَرُوا مَا سَبَقَ لَهُمْ عِرْفَانُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ اسْتِهَانَةً بِالْمُرْسِلِ وَالْمُرْسَلِ بِهِ. قَابَلَهُمُ اللَّهُ بِالِاسْتِهَانَةِ وَالطَّرْدِ، وَأَضَافَ اللَّعْنَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ، لِأَنَّ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمَلْعُونُ حَقِيقَةً. قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ [1] ؟ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً [2] . ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِاللَّعْنَةِ حَتَّى جَعَلَهَا مُسْتَعْلِيَةً عَلَيْهِمْ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ جَاءَهُمْ مِنْ أَعْلَاهُمْ، فَجَلَّلَهُمْ بِهَا، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى عِلَّةِ اللَّعْنَةِ وَسَبَبِهَا، وَهِيَ الْكُفْرُ، كَمَا قَالَ قَبْلُ: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ، وَأَقَامَ الظَّاهِرَ مُقَامَ الْمُضْمَرِ لِهَذَا الْمَعْنَى، فَتَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ، أَوْ تَكُونُ لِلْعُمُومِ، فَيَكُونُ هَؤُلَاءِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ، وَيَكُونَ فِيهِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا. وَنَعْنِي بِالْجِنْسِ الْعُمُومَ، وَتَخَيُّلُهُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِيهِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعِلَّةِ عَلَى أَفْرَادِهِ لَيْسَ فِيهَا بَعْضُ الْأَفْرَادِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا هِيَ دَلَالَةٌ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، فَهِيَ دَلَالَةٌ مُتَسَاوِيَةٌ. وَإِذَا كَانَتْ دَلَالَةً مُتَسَاوِيَةً، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ أَوَّلُ وَلَا أَسْبَقُ مِنْ شَيْءٍ.
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بِئْسَ، وَأَمَّا مَا فَاخْتُلِفَ فِيهَا، أَلَهَا مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ أَمْ لَا. فَذَهَبَ الْفَرَّاءُ إِلَى أَنَّهُ بِجُمْلَتِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ رُكِّبَ، كَحَبَّذَا، هَذَا نَقْلُ ابْنِ عَطِيَّةَ عَنْهُ. وَقَالَ الَمَهْدَوِيُّ: قَالَ الْفَرَّاءُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا مَعَ بِئْسَ بِمَنْزِلَةِ كُلَّمَا، فَظَاهِرُ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ أَنَّ مَا لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ لَهَا مَوْضِعًا مِنَ الْإِعْرَابِ. وَاخْتُلِفَ، أَمَوْضِعُهَا نَصْبٌ أَمْ رَفْعٌ؟ فَذَهَبَ الْأَخْفَشُ إِلَى أَنَّ مَوْضِعَهَا نَصْبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الصِّفَةِ، وَفَاعِلُ بِئْسَ مُضْمَرٌ مُفَسَّرٌ بِمَا، التَّقْدِيرُ: بِئْسَ هُوَ شَيْئًا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَأَنْ يَكْفُرُوا هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ، وَبِهِ قَالَ الْفَارِسِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَكُونَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفًا، وَاشْتَرَوْا صِفَةً لَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: بِئْسَ شَيْئًا شَيْءٌ اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَأَنْ يَكْفُرُوا بَدَلٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هُوَ أَنْ يَكْفُرُوا. وَذَهَبَ الْكِسَائِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ، مِنْ أَنَّ مَا مَوْضِعُهَا نَصْبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَثَمَّ مَا أُخْرَى مَحْذُوفَةٌ مَوْصُولَةٌ هِيَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ، التَّقْدِيرُ: بِئْسَ شَيْئًا الَّذِي اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ. فَالْجُمْلَةُ بَعْدَ مَا الْمَحْذُوفَةِ صِلَةٌ لَهَا، فَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإعراب. وأن يَكْفُرُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَدَلٌ، وَيَجُوزَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ

[1] سورة المائدة: 5/ 60.
[2] سورة النساء: 4/ 52.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 488
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست