responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 475
وَإِنْ هُوَ لَمْ يَحْمِلْ عَلَى النَّفْسِ ضَيْمَهَا وَيُقَوِّي هَذَا الْوَجْهَ وَيُحَسِّنُهُ كَوْنُهُ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: فَلا يُخَفَّفُ، وَهُوَ جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ، إِذْ لَوْلَا تَقَدُّمُ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ لَكَانَ الْأَرْجَحُ الرَّفْعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ لَا لَيْسَتْ مِمَّا تَطْلُبُ الْفِعْلَ، لَا اخْتِصَاصًا وَلَا أَوْلَوِيَّةً، فَتَكُونُ كَانَ وَالْهَمْزَةُ خِلَافًا لِأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ السَّيِّدِ، إِذْ زَعَمَ أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْفِعْلِ فِيمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَا، أَوْلَى مِنَ الِابْتِدَاءِ، وَبِنَاءَ الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ أَوْلَى مِنْ بِنَائِهِ لِلْفَاعِلِ، لِأَنَّهُ أَعَمُّ، إِلَّا إِنْ جُعِلَ الْفَاعِلُ عَامًّا، فَيَكُونُ وَلَا هُمْ يَنْصُرُهُمْ أَحَدٌ، فَكَانَ يُفَوِّتُ بِذَلِكَ اخْتِتَامَ الْفَوَاصِلِ بِمَا اخْتُتِمَتْ بِهِ قَبْلُ وَبَعْدُ، وَيُفَوِّتُ الْإِيجَازَ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يُفِيدُ ذَلِكَ، أَعْنِي الْعُمُومَ.
وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الكريمة أخبار اللَّهِ تَعَالَى، أَنَّهُ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِإِفْرَادِ الْعِبَادَةِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، وَإِلَى ذِي الْقُرْبَى، وَالْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَبِالْقَوْلِ الْحَسَنِ لِلنَّاسِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنَّهُمْ نَقَضُوا الْمِيثَاقَ بِتَوَلِّيهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ، وَأَنَّهُ أَخَذَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ، وَلَا يُخْرِجُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَأَنَّهُمْ أَقَرُّوا وَالْتَزَمُوا ذَلِكَ. فَكَانَ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ يَتَضَمَّنُ الْأَوَامِرَ، وَالْمِيثَاقُ الثَّانِي يَتَضَمَّنُ النَّوَاهِيَ، لِأَنَّ التَّكَالِيفَ الْإِلَهِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي. وَكَانَ الْبَدْءُ بِالْأَوَامِرِ آكَدَ، لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ أَفْعَالًا، وَالنَّوَاهِي تَتَضَمَّنُ تُرُوكًا، وَالْأَفْعَالُ أَشَقُّ مِنَ التُّرُوكِ. وَكَانَ مِنَ الْأَوَامِرِ الْأَمْرُ بِإِفْرَادِ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ، وَهُوَ رَأْسُ الْإِيمَانِ، إِذْ مُتَعَلِّقُهُ أَشْرَفُ الْمُتَعَلِّقَاتِ، فَكَانَ الْبَدْءُ بِهِ أَوْلَى. ثُمَّ نَعَى عَلَيْهِمُ الْتِبَاسَهُمْ بِمَا نُهُوا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ إِخْبَارُهُ أَنَّهُمْ خَالَفُوا فِي الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ، لِأَنَّ فِعْلَ الْمَنْهِيَّاتِ أَقْبَحُ مِنْ تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ، لِأَنَّهَا تُرُوكٌ كَمَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ قَرَّعَهُمْ بِمُخَالَفَةِ نَوَاهِي اللَّهِ، وَأَنَّهُمْ مُسْتَعِينُونَ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، بَلْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. ثُمَّ ذَكَرَ تَنَاقُضَ آرَائِهِمْ وَسُخْفَ عُقُولِهِمْ، بِفِدَاءِ مَنْ أَتَى إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ، مَعَ أَنَّهُمْ هُمُ السَّبَبُ فِي إِخْرَاجِهِمْ وَأَسْرِهِمْ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِتَحْرِيمِ إِخْرَاجِهِمْ، وَبِذِكْرِ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ. هَذَا مَعَ أَنَّهُ كُلَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ، فَلَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْكُفْرَ بِبَعْضٍ، وَالْإِيمَانَ بِبَعْضٍ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْجَزَاءَ لِفَاعِلِ ذَلِكَ هُوَ الْخِزْيُ فِي الدُّنْيَا، وَأَشَدُّ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَغْفُلُ عَمَّا عَمِلُوهُ، فَيُجَازِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ أَشَارَ إِلَى مَنْ تَحَلَّى بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ، وَخَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ، هُوَ قَدِ اشْتَرَى عَاجِلًا تَافِهًا بِآجِلٍ جَلِيلٍ، وَآثَرَ فَانِيًا مُكَدَّرًا عَلَى بَاقٍ صَافٍ. وَأَنَّ نَتِيجَةَ هَذَا الشِّرَاءِ أَنْ لَا يُخَفَّفَ عَنْهُمْ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَلَا يَجِدُوا نَاصِرًا يَدْفَعُ عَنْهُمْ سُوءَ الْعِقَابِ. لَقَدْ خَسِرُوا تِجَارَةً، وَبُدِّلُوا بِالنَّعِيمِ السَّرْمَدِيِّ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 475
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست