responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 447
التوراة المبدلة المغيرة، ويقرأونها عَلَيْهِمْ وَيَقُولُونَ لَهُمْ: هَذِهِ التَّوْرَاةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا. بِأَيْدِيهِمْ: تَأْكِيدٌ يَرْفَعُ تَوَهُّمَ الْمَجَازِ، لِأَنَّ قَوْلَكَ: زَيْدٌ يَكْتُبُ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُبَاشِرُ الْكِتَابَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ، وَيَكُونَ آمِرًا بِذَلِكَ،
كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَتَبَ
، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ فِي كِتَابٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ [1] . وَنَظِيرُ هَذَا التَّأْكِيدِ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ، ويَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ، وَقَوْلُهُ:
نَظَرْتَ فَلَمْ تَنْظُرْ بِعَيْنَيْكَ مَنْظَرًا فَهَذِهِ كُلُّهَا أُتِيَ بِهَا لِتَأْكِيدِ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَلِرَفْعِ الْمَجَازِ الَّذِي كَانَ يَحْتَمِلُهُ.
وَفِي هَذَا التَّأْكِيدِ أَيْضًا تَقْبِيحٌ لِفِعْلِهِمْ، إِذْ لَمْ يَكْتَفُوا بِأَنْ يَأْمُرُوا بِالِاخْتِلَاقِ وَالتَّغْيِيرِ، حَتَّى كَانُوا هُمُ الَّذِينَ تَعَاطَوْا ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَاجْتَرَحُوهُ بِأَيْدِيهِمْ. وَقَالَ ابن السرّاج: ذِكْرُ الْأَيْدِي كِنَايَةٌ عَنْ أَنَّهُمُ اخْتَلَقُوا ذَلِكَ مِنْ تِلْقَائِهِمْ، وَمِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ، لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الشَّيْءِ بِالْيَدِ لَا تَقْتَضِي الِاخْتِلَاقَ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ حَالٍ مَحْذُوفَةٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا مَا بَعْدَهَا، التَّقْدِيرُ: يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ مُحَرَّفًا، أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِقَوْلِهِ بَعْدُ ثُمَّ: يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِذْ لَا إِنْكَارَ عَلَى مَنْ يُبَاشِرُ الْكِتَابَ بِيَدِهِ إِلَّا إِذَا وَضَعَهُ غَيْرَ مَوْضِعِهِ، فَلِذَلِكَ قَدَّرْنَا هَذِهِ الْحَالَ.
ثُمَّ يَقُولُونَ: أَيْ لِأَتْبَاعِهِمُ الْأُمِّيِّينَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِلَّا مَا قرىء لَهُمْ، وَمَعْمُولُ الْقَوْلِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي هِيَ: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا، عِلَّةٌ فِي الْقَوْلِ، وَهِيَ لَامُ كَيْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا قَبْلُ. وَهِيَ مَكْسُورَةٌ لِأَنَّهَا حَرْفُ جَرٍّ، فيتعلق بيقولون. وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالِاسْتِقْرَارِ، وَبَنُو الْعَنْبَرِ يَفْتَحُونَ لَامَ كي، قال مَكِّيٌّ فِي إِعْرَابِ الْقُرْآنِ لَهُ. بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا، بِهِ: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: لِيَشْتَرُوا، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الَّذِي أَشَارُوا إِلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ الْمَكْتُوبُ الْمُحَرَّفُ. وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الِاشْتِرَاءِ فِي قَوْلِهِ: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى [2] . وَالثَّمَنُ هُنَا: هُوَ عَرَضُ الدُّنْيَا، أَوِ الرِّشَا وَالْمَآكِلُ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ، وَوُصِفَ بِالْقِلَّةِ لِكَوْنِهِ فَانِيًا، أَوْ حَرَامًا، أَوْ حَقِيرًا، أَوْ لَا يُوَازِنُهُ شَيْءٌ، لَا ثَمَنٌ، وَلَا مُثَمَّنٌ. وَقَدْ جَمَعُوا فِي هَذَا الْفِعْلِ أَنَّهُمْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا وَكَذَبُوا عَلَى اللَّهِ، وَضَمُّوا إِلَى ذَلِكَ

[1] سورة العنكبوت: 29/ 48.
[2] سورة البقرة: 2/ 16.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 447
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست