responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 431
ذَلِكَ هُوَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ طَوَاعِيَتِهِ وَانْقِيَادِهِ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، فَكَنَّى بِالْخَشْيَةِ عَنِ الطَّوَاعِيَةِ وَالِانْقِيَادِ، لِأَنَّ مَنْ خَشِيَ أَطَاعَ وَانْقَادَ.
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ: هَذَا فِيهِ وَعِيدٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ، أَفْهَمَ أَنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ قَسْوَةِ الْقُلُوبِ أَفْعَالٌ فَاسِدَةٌ وَأَعْمَالٌ قَبِيحَةٌ، مِنْ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُعَانَدَةِ رُسُلِهِ، فَأَعْقَبَ ذَلِكَ بِتَهْدِيدِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْ أَعْمَالِهِمْ، بَلْ هُوَ تَعَالَى يُحْصِيهَا عَلَيْهِمْ، وَإِذَا لَمْ يَغْفُلْ عَنْهَا كَانَ مُجَازِيًا عَلَيْهَا. وَالْغَفْلَةُ إِنْ أُرِيدَ بِهَا السَّهْوُ، فَالسَّهْوُ لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا التَّرْكُ عَنْ عَمْدٍ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ، فَنَفَى اللَّهُ تَعَالَى الْغَفْلَةَ عَنْهُ.
وَانْتِفَاءُ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ لِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُ مِنْهُ عَقْلًا، وَلِكَوْنِهِ لَا يَقَعُ مِنْهُ مَعَ إِمْكَانِهِ.
وَقَدْ ذَهَبَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَافِلٍ، قَالَ: لِأَنَّهُ يُوهِمُ جَوَازَ الْغَفْلَةِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، لِأَنَّ نَفْيَ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ إِمْكَانَهُ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [1] ؟ وَقَوْلِهِ: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ [2] ، فَقَدْ نَفَى عَنْهُ تَعَالَى مَا لَا يَسْتَلْزِمُ إِمْكَانَهُ لَهُ. وبغافل: فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، عَلَى أَنْ تَكُونَ مَا حِجَازِيَّةً. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، عَلَى أَنْ تَكُونَ مَا تَمِيمِيَّةً، فَدَخَلَتِ الْبَاءُ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ، وَسَوَّغَ ذَلِكَ النَّفْيُ. أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْمُوجَبِ؟ لَا تَقُولُ:
زَيْدٌ بِقَائِمٍ، وَلَا: مَا زَيْدٌ إِلَّا بِقَائِمٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَبِغَافِلٍ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ خَبَرِ مَا، لِأَنَّهَا الْحِجَازِيَّةُ، يُقَوِّي ذَلِكَ دُخُولُ الْبَاءِ فِي الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَتِ الْبَاءُ قَدْ تَجِيءُ شَاذَّةً مَعَ التَّمِيمِيَّةِ.
انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَطِيَّةَ، مِنْ أَنَّ الْبَاءَ مَعَ التَّمِيمِيَّةِ قَدْ تَجِيءُ شَاذَّةً، لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ نَحْوِيٌّ فِيمَا عَلِمْنَاهُ، بَلِ الْقَائِلُونَ قَائِلَانِ، قَائِلٌ: بِأَنَّ التَّمِيمِيَّةَ لَا تَدْخُلُ الْبَاءُ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ بَعْدَهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَقَائِلٌ: بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجَرَّ بِالْبَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
لَعَمْرُكَ مَا مَعْنٌ بِتَارِكِ حَقِّهِ وَأَشْعَارُ بَنِي تَمِيمٍ تَتَضَمَّنُ جَرَّ الْخَبَرِ بِالْبَاءِ كَثِيرًا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تَعْمَلُونَ بِالتَّاءِ، وَهُوَ الْجَارِي عَلَى نَسَقِ قَوْلِهِ: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِالْيَاءِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مَعَ بَنِي إسرائيل، ويكون ذلك

[1] سورة البقرة: 2/ 255.
[2] سورة الأنعام: 6/ 14. [.....]
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 431
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست