responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 43
كَذَلِكَ الْعِبَادَةُ تَسْتَغْرِقُ الْمُتَكَلِّمَ وَغَيْرَهُ. وَنَظِيرُ هَذَا أَنَّكَ تَذْكُرُ شَخْصًا مُتَّصِفًا بِأَوْصَافٍ جَلِيلَةٍ، مُخْبِرًا عَنْهُ إِخْبَارَ الْغَائِبِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ حَاضِرًا مَعَكَ، فَتَقُولُ لَهُ: إِيَّاكَ أَقْصِدُ، فَيَكُونُ فِي هَذَا الْخِطَابِ مِنَ التَّلَطُّفِ عَلَى بُلُوغِ الْمَقْصُودِ مَا لَا يَكُونُ فِي لَفْظِ إِيَّاهُ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ تَوْطِئَةً لِلدُّعَاءِ فِي قَوْلِهِ اهْدِنَا. وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَلِكَ مُنَادًى، فَلَا يَكُونُ إِيَّاكَ الْتِفَاتًا لِأَنَّهُ خِطَابٌ بَعْدَ خِطَابٍ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ بَعْدَ النِّدَاءِ الْغَيْبَةُ، كَمَا قَالَ:
يَا دارمية بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ ... أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الْأَبَدِ
وَمِنَ الْخِطَابِ بَعْدَ النِّدَاءِ:
أَلَا يَا اسْلَمِي يَا دارمي عَلى الْبِلَى ... وَلَا زَالَ مُنْهَلًا بِجَرْعَائِكِ الْقَطْرُ
وَدَعْوَى الزَّمَخْشَرِيُّ فِي أَبْيَاتِ امْرِئِ الْقَيْسِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةَ الْتِفَاتَاتٍ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ هُمَا الْتِفَاتَانِ:
الْأَوَّلُ: خُرُوجٌ مِنَ الْخِطَابِ الْمُفْتَتَحِ بِهِ فِي قَوْلِهِ:
تَطَاوَلَ لَيْلُكَ بِالْإِثْمِدِ ... وَنَامَ الْخَلِيُّ وَلَمْ تَرْقُدِ
إِلَى الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ:
وَبَاتَ وَبَاتَتْ لَهُ لَيْلَةٌ ... كَلَيْلَةِ ذِي الْعَائِرِ الْأَرْمَدِ
الثَّانِي: خُرُوجٌ مِنْ هَذِهِ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ فِي قَوْلِهِ: وَذَلِكَ مِنْ نَبَأٍ جَاءَنِي. وَخَبَّرْتُهُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ وَتَأْوِيلُ كَلَامِهِ أَنَّهَا ثَلَاثٌ خَطَأٌ وَتَعْيِينُ. أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ أَشَدُّ خَطَأً لِأَنَّ هَذَا الِالْتِفَاتَ هُوَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ لَا مِنَ التَّقَادِيرِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَإِضْمَارُ قُولُوا قَبْلَ الْحَمْدِ لِلَّهِ، وَإِضْمَارُهَا أَيْضًا قَبْلَ إِيَّاكَ لَا يَكُونُ مَعَهُ الْتِفَاتٌ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ. وَقَدْ عَقَدَ أَرْبَابُ عِلْمِ الْبَدِيعِ بَابًا لِلِالْتِفَاتِ فِي كَلَامِهِمْ، وَمِنْ أَجْلِهِمْ كَلَامًا فِيهِ ابْنُ الْأَثِيرِ الْجَزَرِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ إِيَّاكَ يُعْبَدُ بِالْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مُشْكِلَةٌ، لِأَنَّ إِيَّاكَ ضَمِيرُ نَصْبٍ وَلَا نَاصِبَ لَهُ وَتَوْجِيهُهَا أَنَّ فِيهَا اسْتِعَارَةً وَالْتِفَاتًا، فَالِاسْتِعَارَةُ إِحْلَالُ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَخْبَرَ عَنْهُ إِخْبَارَ الْغَائِبِ لَمَّا كَانَ إِيَّاكَ هُوَ الْغَائِبَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَقَالَ يُعْبَدُ، وَغَرَابَةُ هَذَا الِالْتِفَاتِ كَوْنُهُ فِي جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى قَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَأَنْتَ الْهِلَالِيُّ الَّذِي كُنْتَ مَرَّةً ... سَمِعْنَا بِهِ وَالْأَرْحَبِيُّ الْمُغَلِّبُ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 43
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست