responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 412
نَفْيَ مُعَادِلٍ لِقَوْلِهِ: لَا ذَلُولٌ. وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ، وَالصِّفَتَانِ مَنْفِيَّتَانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، كَمَا أَنَّ لَا تَسْقِي مَنْفِيٌّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَيْضًا. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَنَّهَا لَمْ تُذَلَّلْ بِالْعَمَلِ، لَا فِي حَرْثٍ، وَلَا فِي سَقْيٍ، وَلِهَذَا نُفِيَ عَنْهَا إِثَارَةُ الْأَرْضِ وَسَقْيُهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَتْ تِلْكَ الْبَقَرَةُ وَحْشِيَّةً، وَلِهَذَا وُصِفَتْ بِأَنَّهَا لَا تُثِيرُ الْأَرْضَ بِالْحَرْثِ، وَلَا يُسْنَى عَلَيْهَا فَتُسْقِيَ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: تُثِيرُ الْأَرْضَ، فِعْلٌ مُثْبَتٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَأَنَّهُ أَثْبَتَ لِلْبَقَرَةِ أَنَّهَا تُثِيرُ الْأَرْضَ وَتَحْرُثُهَا، وَنَفَى عَنْهَا سَقْيُ الْحَرْثِ. وَرُدَّ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَا كَانَ يَحْرُثُ لَا يَنْتَفِي كَوْنُهُ ذَلُولًا.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَى تُثِيرُ الْأَرْضَ بِغَيْرِ الْحَرْثِ بَطَرًا وَمَرَحًا، وَمِنْ عَادَةِ الْبَقَرِ، إِذَا بَطِرَتْ، تَضْرِبُ بِقَرْنِهَا وَأَظْلَافِهَا، فَتُثِيرُ تُرَابَ الْأَرْضِ، وَيَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْغُبَارُ، فَيَكُونُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ تَمَامِ قَوْلِهِ: لَا ذَلُولٌ، لِأَنَّ وَصْفَهَا بِالْمَرَحِ وَالْبَطَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا ذَلُولٌ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا ذَلُولٌ، صِفَةٌ لِبَقَرَةٍ بِمَعْنَى: بَقَرَةٌ غَيْرُ ذَلُولٍ، يَعْنِي: لَمْ تُذَلَّلْ لِلْحَرْثِ وَإِثَارَةِ الْأَرْضِ، وَلَا هِيَ مِنَ النَّوَاضِحِ الَّتِي يُسْنَى عَلَيْهَا بِسَقْيِ الْحُرُوثِ. وَلَا: الْأُولَى لِلنَّفْيِ، وَالثَّانِيَةُ مَزِيدَةٌ لِتَوْكِيدِ الْأُولَى، لِأَنَّ الْمَعْنَى: لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ وَتَسْقِي، عَلَى أَنَّ الْفِعْلَيْنِ صِفَتَانِ لذلول، كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا ذَلُولٌ مُثِيرَةً وَسَاقِيَةً. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَوَافَقَهُ عَلَى جَعْلِ لَا الثَّانِيَةِ مَزِيدَةً صَاحِبُ الْمُنْتَخَبِ، وَمَا ذَهَبَا إِلَيْهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا ذَلُولٌ، صِفَةٌ مَنْفِيَّةٌ بِلَا، وَإِذَا كَانَ الْوَصْفُ قَدْ نُفِيَ بِلَا، لَزِمَ تَكْرَارُ لَا النَّافِيَةِ، لِمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، تَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ لَا كِرِيمٍ وَلَا شُجَاعٍ، وَقَالَ تَعَالَى: ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ، لَا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ [1] وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ، لَا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [2] لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَأْتِيَ بِغَيْرِ تَكْرَارٍ، لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْهَا النَّفْيُ، إِلَّا إِنْ وَرَدَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وَإِذَا آلَ تَقْدِيرُهُمَا إِلَى لَا ذَلُولٌ مُثِيرَةً وَسَاقِيَةً، كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ تَكْرَارِ لَا النَّافِيَةِ، وَعَلَى مَا قَدَّرَاهُ كَانَ نَظِيرَ:
جَاءَنِي رَجُلٌ لَا كِرِيمٌ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا إِنْ وَرَدَ فِي شِعْرٍ، كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ لِأَنَّهَا مِنْ نَكِرَةٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَالْجُمْلَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا هِيَ قَوْلُهُ: تُثِيرُ الْأَرْضَ، وَالنَّكِرَةُ هِيَ قَوْلُهُ: لَا ذَلُولٌ، أَوْ قَوْلُهُ:
بَقَرَةٌ، فَإِنْ عَنَى بِالنَّكِرَةِ بَقَرَةً، فَقَدْ وُصِفَتْ، وَالْحَالُ مِنَ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ جَائِزَةٌ جَوَازًا حَسَنًا، وَإِنْ عَنَى بِالنَّكِرَةِ لَا ذَلُولٌ، فَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِمَّنْ لَمْ يُحَصِّلْ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ، وَلَا أمعن

[1] سورة المرسلات: 77/ 30 و 31.
[2] سورة الواقعة: 56/ 43 و 44.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 412
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست