responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 374
أَخْبَرُوا عَمَّا وَجَدُوهُ مِنْ عَدَمِ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَتَشَوُّفِهِمْ إِلَى مَا كَانُوا يَأْلَفُونَ، وَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ لَهُمْ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الظَّاهِرِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ كَانَ مَعْصِيَةً، قَالُوا:
لِأَنَّهُمْ كَرِهُوا إِنْزَالَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَتِلْكَ الْكَرَاهَةُ مَعْصِيَةٌ، وَلِأَنَّ مُوسَى وَصَفَ مَا سَأَلُوهُ بِأَنَّهُ أَدْنَى وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ خَيْرٌ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: أَتَسْتَبْدِلُونَ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ. وَالْجَوَابُ، أَنَّ قولهم: لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا بِهِ فَقَطْ، بَلِ اشْتَهَوْا أَشْيَاءَ أُخَرَ. وَأَمَّا الْإِنْكَارُ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْأَنْفَعِ فِي الدُّنْيَا، أَوِ الْأَنْفَعِ فِي الْآخِرَةِ.
وَأَمَّا الْخَيْرِيَّةُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا، وَإِنَّمَا كَانَ سُؤَالًا مُبَاحًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ: كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْآيَةِ، عِنْدَ إِنْزَالِ الْمَنِّ وَتَفْجِيرِ الْعَيْنِ لَيْسَ بِإِيجَابٍ بَلْ هُوَ إِبَاحَةٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمْ: لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ مَعْصِيَةً لِأَنَّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ صُنُوفٌ مِنَ الطَّعَامِ يَحْسُنُ مِنْهُ أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهَا، إِمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ. وَلَمَّا كَانَ سُؤَالُ النَّبِيِّ أقرب للإجابة، سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ النَّوْعَ الْوَاحِدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً يُمَلُّ وَيُشْتَهَى إِذْ ذَاكَ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُمْ مَا تَعَوَّدُوا ذَلِكَ النَّوْعَ. وَرَغْبَةُ الْإِنْسَانِ فِيمَا اعْتَادَهُ، وَإِنْ كَانَ خَسِيسًا، فَوْقَ رَغْبَةِ مَا لَمْ يَعْتَدْهُ، وَإِنْ كَانَ شَرِيفًا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا لِانْتِقَالِهِمْ عَنِ التِّيهِ الَّذِي مَلُّوهُ، لِأَنَّ تِلْكَ الْأَطْعِمَةَ لَا تُوجَدُ فِيهِ، فَأَرَادُوا الْحُلُولَ بِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ سَبَبٌ لِنَقْصِ الشَّهْوَةِ وَضَعْفِ الْهَضْمِ وَقِلَّةِ الرَّغْبَةِ، وَالِاسْتِكْثَارُ مِنَ الْأَنْوَاعِ بِعَكْسِ ذَلِكَ. فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ تَبْدِيلَ نَوْعٍ بِنَوْعٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مَمْنُوعِينَ عَنْهُ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً. وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ هُوَ كَالْإِجَابَةِ لِمَا طَلَبُوا. وَلَوْ كَانُوا عَاصِينَ فِي ذَلِكَ السُّؤَالِ لَكَانَتِ الْإِجَابَةُ إِلَيْهِ مَعْصِيَةً، وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَوَصَفَ الطَّعَامَ بِوَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ طَعَامَيْنِ، لِأَنَّهُ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى اللَّذَانِ رُزِقُوهُمَا فِي التِّيهِ، لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْوَاحِدِ مَا لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَتَبَدَّلُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَائِدَةِ الرَّجُلِ أَلْوَانٌ عَدِيدَةٌ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ لَا يُبَدِّلُهَا قِيلَ: لَا يَأْكُلُ فُلَانٌ إِلَّا طَعَامًا وَاحِدًا، يُرَادُ بِالْوَحْدَةِ نَفْيُ التَّبَدُّلِ وَالِاخْتِلَافِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدُوا أَنَّهُمَا ضَرْبٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا مَعًا مِنْ طَعَامِ أَهْلِ التَّلَذُّذِ وَالسَّرَفِ، وَنَحْنُ قَوْمُ فِلَاحَةٍ أَهْلُ زِرَاعَاتٍ، فَمَا نُرِيدُ إِلَّا مَا أَلِفْنَاهُ وَضَرَيْنَا بِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ، كَالْحُبُوبِ وَالْبُقُولِ وَنَحْوِهِمَا. ذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَعْنَى الْوَاحِدِ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَقِيلَ:
أَعَادَ عَلَى لَفْظِ الطَّعَامِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ مُفْرَدٌ لَا عَلَى مَعْنَاهُ. وَقِيلَ: كَانُوا يَأْكُلُونَ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى مُخْتَلِطَيْنِ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ اللَّوْنِ الَّذِي يَجْمَعُ أَشْيَاءَ وَيُسَمَّى لَوْنًا وَاحِدًا، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ: وَقِيلَ:

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 374
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست